للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البئر، وهلك، فما ذكره الأصحاب من قياس الدفع ينبغي أن يكون الضمان على المبتدىء بالحفر، فإنه في محل الدافع، وذهب بعض الأصحاب إلى أن الضمان مشترك، وهذا وإن كان يمكن توجيهه، فهو هادم لما قدمناه في الحجر والسكين، والحجرِ والبئر، والسكينةُ التي ذكرناها في الدفع قوية (١).

فإذا بيّنتُ هذه المسائل، فلا نأخذ [في] (٢) غيرها حتى ننعطف عليها بالتنقيح والتصحيح، ثم نأتي بعدها بما يليق بالترتيب:

١٠٨٢٦ - فمما ذكرناه الحجر والبئر، وتقدير الحجر كالدافع، وهذا وإن كان متفقاً عليه، ففيه سؤال: [فالحجر] (٣) سببٌ في الدفع وليس دفعاً، والبئر سبب في الهلاك وليس إهلاكاً، فلا يبعد من طريق القياس أن يقال: اجتمع السببان، فيشترك [المتسببان] (٤) في الضمان، وليس من الإنصاف أن نجعل الحجر كالدافع المباشر، ونجعل البئر على حقيقة السبب، فإن قدرت سبب الدفع دفعاً، فقدِّر سببَ الهلاك إهلاكاً.


= العمق، فعشرة أذرع بمقاييس عصرنا تدور بين أربعة أمتار ونصف، وبين سبعة أمتار ونصف، وكلاهما عميق مهلك. وتعبير الغزالي والرافعي والنووي: "فجعلها قريبة العمق" ولعل صوابها: وجعلها أربعة أذرع، أو عشرة أشبار أو أفتار.
(١) الكلام هنا في تقديم أحد سببي الهلاك على الآخر، وإحالة الهلاك عليه دون الآخر. فالهلاك وقع في الصور الثلاث بوجود سببين معاً: البئر والحجر، السكين والحجر، السكين والدفعُ من الخلف، ولولا اجتماع السببين في كل صورة ما كان الهلاك، ولكن قدم أحد السببين على الآخر ونُسب الهلاك إليه وحده، فجعل نصب الحجر الذي تعثر به المتردي في البئر كأنه باشر دفْعه وألقاه في البئر، وكذلك جعل الحجر الذي نصب أمام السكين كانه هوِ الذي دَفَع وألقى من هلك على حد السكين، وأما الصورة الثالثة فظهور الدفع (أقوى) فهو دَفعٌ في الحقيقة وإلقاء على حد السكين.
هذا معنى قوله: "والسكينة التي ذكرناها في الدفع قوية" أي في الدلالة على (قياس الدفع) كما سماه الإمام.
وأخيراً نقول: ربما كانت العبارة: "وصورة السكينة التي ذكرنا في الدفع قوية" والله أعلم.
(٢) في الأصل: "من".
(٣) زيادة اقتضاها السياق.
(٤) في الأصل: "المنتسبان".