للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما العمد والآخر الخطأ، فإن الشاهدين إذا اختلفا في الوقت أو الآلة، فأصل القتل متفق عليه، والتردد راجع إلى شيء آخر، فكان هذا بمثابة ما لو اختلفا في العمد والخطأ.

فإن قيل: لا فصل بين المسألتين، فما وجه قول من يقول بثبوت أصل القتل إذا ذكر الشاهدان العمد والخطأ؟ قلنا: شهادتهما إذا اختلفا في الزمان أو الآلة متكاذبتان في أمر محسوس، وإذا تعرضتا لذكر العمد والخطأ، فهما مطلقان، فقد يحسب أحدهما العمد خطأ، وقد يحسب الثاني الخطأ عمداً، وهذا تكلف، والأصح أن أصل القتل لا يثبت في تلك المسألة، ولو شهد أحدهما أنه قتله بمكان كذا، وشهد الثاني أنه قتله بمكانٍ آخر، فلا يثبت القتل، كالاختلاف في الزمان، والآلة، والمكان.

ثم قال المزني: " ومثل هذا يوجب القسامة " (١)، نقل ذلك بعد ذكر الاختلاف في الزمان والآلة والمكان.

وقد ذهب المراوزة إلى تغليطه؛ إذ قال (٢): هذا يوجب القسامة؛ من جهة أن الشاهدين متكاذبين، وشهادتهما متعارضتان، ولا يثبت بالشهادتين المتناقضتين لوث.

وحكى العراقيون نصين في ذلك عن الشافعي رضي الله عنه منقولين في الكتب: أحدهما - أن اللوث يثبت على ما نقله المزني، فلا وجه إذاً لتغليطه وقد صح النقل، ووجهه أنهما اتفقا على أصل القتل، ولا يبعُد أن يغلط أحدهما لا بعينه في الوقت، وقد تقع واقعة لا يُشك في وقوعها، [ويتمارى] (٣) الناس في الوقت، واختلافهما إن أثر في القضاء [حتى] (٤) لا يقطع بثبوت القتل، فلا ينحط أثرهما عن [تغليب] (٥) الظن في وقوع القتل.


(١) ر. المختصر: ٥/ ١٥٥.
(٢) ت ٤: " وقالوا ".
(٣) في النسختين: " ويتمادى ".
(٤) زيادة من المحقق. ثم (ت ٤): " يقع " مكان يقطع.
(٥) في الأصل: " تغليط"، (ت ٤): " تغليطه ". والمثبت من تصرّف المحقق.