ومنهم من قال: شهادة الحسبة باطلة، وإنما ذكر الشافعي مراجعة صاحب الحق لرجاء أن تبطل دَعْوَاهُ الأولى بتصديق الأخرى.
وهذا نجاز الفصل وأطرافه واضحة إذا فهمت الأصول. فلم أر استقصاءها لعلمي بوضوحها، وتبرم الفطن بتكثيرها وتكريرها.
فصل
١٠٩٧٩ - ذكر الشافعي رضي الله عنه أنه لو ادعى القتل على واحدٍ وأقام شاهدين، فشهد أحدهما على إقراره بأنه قتله عمداً، وشهد الآخر على إقراره بأنه قتله، ولم يقل عمداً، وجرت الشهادتان من الشاهدين على ما وصفناه، فشهد أحدهما على العمد، وشهد الثاني على القتل المطلق، فأصل القتل يثبت، ويبقى توجيه الدعوى بكونه (١) عمداً، فإن لم يكن لوث، فالقول قول المدعى عليه أنه ما قتله عمداً مع يمينه، فإن حلف، فذاك، وإن نكل، حلف المدعي يمين الرَّد، وثبت القود، وإن أقمنا شهادة أحد الشاهدين لوثاً -على ما تقدم تفصيل القول في اللوث- فيقسم المدعي على إثبات
العمد.
ولو ادعى القتلَ العمدَ أولاً، فشهد أحد شاهديه على وفق دَعْواه، وشهد الثاني على أنه قتله خطأ، فقد اختلف جواب القفال في ذلك، فقال في أحد جوابيه: لا يثبت القتل بشهادتهما لاختلافهما في صفته على حكم التصادق؛ فهما متكاذبان، وإذا تكاذب الشاهدان، فالوجه سقوط الشهادتين، وقال في الجواب الثاني: يثبت أصل القتل؛ فإنهما تصادقا عليه، ورجع اختلافهما إلى الصفة، فصار كما لو شهد أحدهما على القتل عمداً، وشهد الآخر على القتل مطلقاً.
ولو شهد أحد الشاهدين أنه قتله غُدوةً، وشهد الآخر أنه قتله عشية، أو قال أحدهما: قتله بالسيف، وقال الآخر: قتله بالعصا؛ فلا خلاف أن القتل لا يثبت بشهادتهما؛ لأنهما شهدا على فعلين مختلفين، وهذا يؤكد أحدَ الجوابين في ذكر