للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا صارا محجوبين، فإذا أعادا تلك الشهادة -وقد رددناها أولاً- فنردها معادة، كما لو شهد رجل، فردت شهادته للفسق، ثم تاب، وظهرت عدالته، فأعاد الشهادة فالشهادة المعادة مردودة.

وقد يخطر للفقيه في هذا المقام أن الفاسق إذا تاب، لم نتحقق تغير حاله باطناً، وقد تحققنا أن الوارث صار محجوباً. ولكن لا حكم لهذا والأصحابُ مجمعون على ما قدمناه؛ لأن الذي رُدّت شهادته يُتهم بترويج الشهادة بعد طريان الحجب. هذا بيان الغرض في ذلك.

ومن تمامه أنه لو شهد وارثان على جرح بالموروث، فبرىء المجروح [واستبلّ] (١)، فهل يثبت الجرح؟ ما صار إليه معظم الأصحاب أن الجرح لا يثبت لاقتران التهمة بالشهادة حالة الإقامة. ومن أصحابنا من قال: لا ترد الشهادة؛ فإنها لم تكن شهادة على سبب الموت، وهذا التردد يشهد (٢) بما حكيناه في طريان الحجب واعتبار المآل، ولكنه يؤدي إلى إلزامه، فإن القياس الحق [أن] (٣) من كان متهماً في شهادته عند إقامتها، فلا أثر لما يطرى من بعدُ.

هذا مقدار غرضنا في الشهادة التي تجرّ نفعاً.

١٠٩٨٥ - فأما الشهادة التي تتضمن دفعاً، فمسائلها كثيرة ستأتي في مواضعها، إن شاء الله تعالى. والمقدارُ الذي أراده الشافعي هاهنا ما نصفه، قال رضي الله عنه (٤): " إذا ادعى رجل قتلَ خطأ، وأقام شاهدين على ما يدعيه، فلو شهد اثنان من عاقلة المشهود عليه بالقتل على جرح الشاهدين، فلا شك أن شهادتهما مردودة، فإنهما يدفعان عن أنفسهما تحمّل العقل، والشهادة الدافعة مردودة " ولو شهد اثنان من فقراء عاقلة المشهود عليه، فقد نص الشافعي رضي الله عنه على أنه لا تقبل شهادتهما، وإن كانت الدية لا تضرب على الفقراء، ونص على أن اثنين من أباعد العصبات الذين


(١) في الأصل: " واستقلّ ".
(٢) ت ٤: " أشهر مما ".
(٣) زيادة من (ت ٤).
(٤) ر. الأم: ٦/ ١٥.