للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن القاضي لا ينتصب بنصب الرعايا، وإنما إلى الناس نصب إمام، ثم تصدر (١) التفاصيل عن رأيه، فانعقاد الإمامة بطريق التبعية، ولا يتصور [تولية] (٢) قاضٍ ببيعة، وهذا [القائل] (٣) يلتزم أمراً تثور فيه نفوس الخائضين في الإمامة، وهو أن يدعي أن معاوية كان تصدّى للإمامة في زمن علي رضي الله عنه. وقد استفاض أنه ما باح بالتصدي لإمرة المؤمنين إلا بعد قتل علي رضي الله عنه.

ومن قال: لا يشترط أن ينصبوا إماماً، احتج بأنهم ربما لا يَلْقَوْن بين أظهرهم من يستجمع شرائط الإمامة، فيؤدي اشتراط نصب الإمام إلى تعطيل حقوق المسلمين، ثم هذا القائل يحمل جميع أحكامهم وقضاياهم على ما تحال عليه الأحكام عند شغور الدهر عن الإمام، وفيه كلام طويل، فيجب الانكفاف عنه، والاكتفاء بهذا المقدار.

هذا قولنا في طوائف البغاة، والمقصود بعدُ منهم لا يتبين إلا بأن نذكر مجامع أحكام البغاة، ثم يتبيّن مجاري تلك الأحكام عند اختلال الشرائط المرعية في البغاة، ثم نذكر بعد ذلك تفصيلَ الكلام فيمن يقاتلهم الإمام، ثم نبين الأسباب المثبتة للقتال.

١٠٩٩٥ - فأما جوامع القول في أحكام البغاة، فمنها أنه ينفذ قضاء قاضيهم إذا وافق الشرع، وإذا استوفَوْا حدوداً وأقاموها على مستحقيها بحقها، وقع الاعتداد بها، وإذا استوفَوْا الزكوات، وقعت موقعها، وكذلك إذا استوفَوْا الجِزَى (٤) والأَخْرجة، فالحكم ما ذكرناه، وكذلك استيفاء أخماس الغنائم، والفيء.

أما الحدود، فلا تثنّى بعد إقامتها، والزكوات مصروفة إلى مستحقيها، فلا كلام فيها، والأموال المرْصدة للمصالح إذا صرفت إلى وجوهها بحقها، فهي واقعة موقعها، وأما المغانم والزكوات، فأربعة الأخماس منها للغانمين، لا تعلّق لها بالولاة، والخمس منها، ومن الفيء ينقسم القول في مصارفها، فما يصرف إلى مستحقين موصوفين في كتاب الله تعالى، فسبيله سبيل الزكوات، وأما ما يصرف إلى


(١) في الأصل: " ثم نصدر إلى التفاصيل ".
(٢) في الأصل: " برأيه ".
(٣) زيادة من (ت ٤).
(٤) الجِزى: جمع جزية.