للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بما روى ابنُ شهاب الزهري أنه قال: " كانت في تلك الفتنة دماءٌ يُعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلفت فيها أموال، ثم سكنت الحرب، وجرى الحكم على الممتنعين، فما علمته اقتص من أحد، ولا غرّم أحداً ما أتلفه " (١).

وهذا القول يتوجه بمصلحة كلية، وهو أن الفئة الباغية مدعوون إلى الطاعة رفقاً وعنفاً (٢)، والذي تقتضيه الإيالة تقديم الرفق وتأخير العنف، وهو ترتيب الدفع، وإذا جرت معارك واقتتال جنود، فلو (٣) علم الممتنعون أنهم مطالبون بالتبعات إذا فاؤوا واستسلموا، فقد يكون هذا داعيةً لهم إلى الاستمرار على العصيان (٤)؛ ولهذه الحكمة حُطت الطلبات عن أهل الحرب إذا أسلموا، وإذا كان جريان الكلام في الإيالات، فهذه الفنون أحرى بالتمسك [بها من] (٥) الأقيسة الجزئية، وبمثل هذا نفذنا (٦) أحكام البغاة حتى لا يعظم الضرار (٧).

والقول الثاني - أنهم يضمنون ما يتلفون في حالة القتال؛ فإنهم ليسوا محقين في إقامة القتال وما أتلفوه [يوصف] (٨) بأنه متلَفٌ بغير حقّ، صَدَر إتلافُه من ملتزمِ الأحكامِ، والذي يُعارِضُ به هذا القائلُ ما قدمناه من الأمر الكلي: أن ما أتلفته الفئة الباغية [في] (٩) غير القتال في بَيَاتٍ وشن غارات من غير فرض قتال، فهم مطالبون به، وإن كان قد يؤدى هذا إلى ما ذكرناه في نصرة القول الأول.

وهذا القائل يقول: إنما قبلنا شهاداتهم، لأن ردها يأتي [من] (١٠) ناحية تمكّن


(١) أثر الزهري رواه البيهقي في السنن الكبرى: ٨/ ١٧٥.
(٢) ت ٤: "عصفاً".
(٣) ت ٤: "فلم".
(٤) ت ٤: " الصعان ".
(٥) زيادة من (ت ٤).
(٦) نفذنا أحكام البغاة: أي أننا باسم قاعدة الإيالة الكلية، حكمنا بنفوذ أحكام البغاة فيما يقيمونه
من حدود، ويجمعونه من زكوات، وفيما يحكم قاضيهم فيه من دماءٍ وفروج.
(٧) ت ٤: " الصولة ".
(٨) في الأصل: " موصف بأنه ".
(٩) في الأصل: " من ".
(١٠) في الأصل: " في ".