للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب واشرأب النفاق ونزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات، لهاضها " (١)

ولقد كان الذين سُموا أهلَ الردة قسمين: قسم كفروا بالله عز وجل بعد إيمانهم، مثل طليحة، والعنسي، ومسيلمة، وأصحابهم، وقسم ارتدوا عما لزمهم من حق أداء الزكاة، والردة لفظة عربية، وأطلقها المتقدمون على مانعي الزكاة. ثم الذين منعوا الزكاة ما كانوا خارجين عن الإيمان، وقاتلهم أبو بكر، والمناظرة التي جرت بينه وبين عمر رضي الله عنهما مشهورة، إذ قال عمر: كيف تقاتل أقواماً يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم " فقال أبو بكر: " أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلا بحقها " والزكاة من حقها، والله لا أفرق بين ما جمع الله، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} والله لو منعوني عقالاً وفي بعض الروايات عَناقاً مما أدوا إلى رسول الله، لقاتلتهم عليه " (٢).

ثم استدَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي أبي بكر، وتبين أنه قاتلهم، وهم مؤمنون، وقال بعض من وقع في الأسر منهم: والله ما كفرنا بعد إيماننا، ولكن شححنا على أموالنا، وأشعارهم وأراجيزهم في هذه المعاني (٣).

وكان يقول بعضهم: أدينا الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت (٤) صلاته سكناً لنا، وليست صلاة غيره سكناً لنا.


(١) حديث عائشة " مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ... " رواه البيهقي في الكبرى (٨/ ٢٠٠) وذكره الشافعي في الأم مختصراً (٦/ ١٦٦).
(٢) حديث مناظرة أبي بكر وعمر في قتال مانعي الزكاة، متفق عليه من حديث أبي هريرة. (البخاري: الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ح٢٥، والزكاة، باب وجوب الزكاة، ح١٣٩٩، ١٤٠٠. مسلم: الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ح٢٠، ٢١).
(٣) ر. المختصر: ٥/ ١٥٧، فقد روى الشافعي رضي الله عنه هذه العبارات، مع شيء من أشعارهم. منها على سبيل المثال:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا ... فيا عجباً ما بال ملك أبي بكر
(٤) ت ٤: " لأن صلاته ".