للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتنفيذُ القضاء، والأحكامِ التي قدمنا ذكرها يتبع الشوكةَ والتأويلَ.

وإجراءُ الخلاف في ضمان ما يُتلَف في حالة القتل يتبع الشوكة المحضة، فإذا لم تكن شوكة، قطعنا بالضمان مع التأويل، وعليه استشهدنا بقتل ابن ملجم علياً.

ومن أبدى من آحاد الناس طعناً في الإمام، عُزِّر على قدر سوء أدبه، وإن شبب بذلك ولم يَبُح، فهل يعزّر؟ اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال: للإمام أن يعزره إذا أدى اجتهاده إليه، حسماً للمادة وردّاً لأوائل الأمور، والدليل عليه أنه يحرم عليه أن يشبب، وإذا حرم عليه، ساغ منعه (١).

ومن أصحابنا من قال: لا يعزره ما لم يصرح، واستدل بما روي " أن رجلاً قال وعليٌّ في الصلاة: لا حكم إلا لله ولرسوله " (٢) وشبب بإسقاط طاعة عليّ رضي الله عنه، فلما تحلل عن صلاته، قال: " كلمة حق أريد بها باطل " ولم يعزره.

وأما الخوارج إذا أظهروا آراءهم، وأكفروا الإمام وأتباعَه، فإن لم يكن لهم منعة، فالكلام فيهم، وفي أهل الأهواء ليس بالهيّن، وهو من أعظم [أركان] (٣) الإيالة الكبيرة، ولعلنا نجمع فيها قولاً، وإن نابذوا الإمام، فقد اختلف أصحابنا فيهم: فمنهم من جعلهم كأهل الردة، ومعناه أنا لا نقيم لما استمسكوا به من عقدهم وزناً، ولا نقول: إنهم متعلقون بتأويل حتى تَنفُذَ أحكامُهم، كما تنفُذ أحكامُ البغاة، وهذا هو الأصح.

ومنهم من جعل ما تعلقوا به بمثابة تأويل البغاة، وهذا ساقطٌ لا أصل له؛ فإن فساد عقدهم كفساد عقود أهل الردة، وإن كنا لا نكفرهم على الرأي الظاهر.

وقد انتجز ما أردنا أن نصدّر الكتاب به من التوطئة وتمهيد الأصول.


(١) ت ٤: " أمره ".
(٢) خبر " أن رجلاً قال وعليٌّ في الصلاة لا حكم إلا لله ولرسوله ... " رواه مسلم، وابن أبي شيبة، والبيهقي (مسلم: الزكاة، باب التحريض على قتل الخوارج، ح١٠٦٦، مصنف ابن أبي شيبة: ح١٩٧٧٦، السنن الكبرى: ٨/ ١٨٤) ورواه الشافعي بلاغاً (الأم: ٦/ ٢١٧). وانظر التلخيص: ٤/ ٨٥ رقم ١٩٩٨.
(٣) ساقطة من الأصل.