للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقاتلتهم، وقد تمهد أن قتالهم مبنيٌّ على الدفع.

ومن آثار هذا الأصل أن من انهزم منهم، لم يتبع، ومن أثخن بالجراح، لم يذفّف عليه، وقال أبو حنيفة (١): يتبع مدبرهم ويذفف جريحهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود يوماً: " يا ابن أم عبد! أتدري ما حكم الله تعالى فيمن [بغى من] (٢) هذه الأمة؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فقال عليه السلام: ألا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم ولا يقتل أسيرهم " (٣). ودخل حسين بن علي على مروان فقال له ما رأيتُ أكرم من أبيك: [ما ولَّينا] (٤) ظهورنا يوم الجمل حتى نادى مناديه: " ألا لا يتبع مدبر، ولا يذفّف على جريح ".

ومعتمد المذهب أن القتال للامتناع، ولا امتناع في منهزم، ولم يصدر منه ما يوجب القتل، ولذلك لا امتناع في مثخن.

ولو انهزم البغاة في ظاهر الأمر، وقصدُهم التحرّف للقتال، فإن القتال قائم، وحكمه دائم، وإن قصدوا التحيّز إلى فئة، فهذا مما يجب إنعام النظر فيه: فنقول: ما قدمناه من أنه لا يتبع منهزم أردنا به الأفراد إذا تبدّدوا مفلولين، فأما إذا ولّى الجند تحت الراية، وما انفلّوا، ولكنهم ولّوْا ظهورهم، فلا ينكف الإمام عنهم، [ولكن لا ينكأ فيهم] (٥) بالسلاح، بل يطلبهم إلى أن يؤوبوا إلى الطاعة، والواحد إذا انفلّ، فقد سقطت منعته وشوكته، واعتضاده بالجمع، وكذلك [لو تشتّتوا] (٦) بدداً،


(١) المذهب عند الأحناف أنه يتبع المدبر ويذفف الجريح إذا كان لهم فئة يتحيزون إليها (ر. المبسوط: ٩/ ١٢٦، فتح القدير: ٥/ ٣٣٧، بدائع الصنائع: ٧/ ١٤٠ - ١٤١).
(٢) في الأصل: " نفر في " والتصويب من لفظ الحديث.
(٣) حديث: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود يوماً: يا ابن أم عبد، أتدري ما حكم الله ... " رواه الحاكم، والبيهقي من حديث ابن عمر. قال البيهقي: ضعيف، وقال الحافظ: " في إسناده كوثر بن حكيم، وقد قال البخاري: إنه متروك ". (ر. مستدرك الحاكم: ٢/ ١٥٥، السنن الكبرى: ٨/ ١٨٢، التلخيص: ٤/ ٨٣ ح١٩٩٤).
(٤) في الأصل: " لما ولينا ". والمثبت من (ت ٤).
(٥) في الأصل: " ولا ينكيهم بالسلاح ".
(٦) في الأصل: " لو استرسلوا ".