للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بنا، وهؤلاء حسبنا أنهم الفئة المحقة، وقالوا: ظننا أنهم استعانوا بنا في مقاتلة الكفار، وما حسبناكم مسلمين، فهذا موضع الخلاف المشهور: قال قائلون من أئمتنا: نصدّقهم إذا احتمل ما قالوه، ونعاملهم معاملة البغاة، فنقتلهم مقبلين ولا نقتلهم مدبرين، ونُبلغهم المأمن، وهذا هو الظاهر.

ومن أصحابنا من قال: نقتلهم حيث ثقفناهم، ومجرد ظنون الكفار لا يؤمّنهم، وقد ذكرنا أنه لا أمان على أهل العدل.

هذا كلامنا (١) في استعانة أهل البغاة بالكفار الحربيين.

١١٠١٠ - فأما إذا استعانوا بجماعة من أهل الذمة، فإن قالوا: قد علمنا حقيقة الحال، ولم نرد بالقتال إلا أن ننال منكم [ونستأصلَ] (٢) شأفتكم، فينتقض العهد بهذا، ويُقتلون مدبرين ومقبلين، وتُغنم أموالهم، ولا يُبْلَغون المأمن، ولا يضمّنون ما أصابوا؛ فإنهم أهل حربٍ.

وإن قالوا: ظننا أنه يحل لنا مقاتلتكم، وذكروا حالةً يمكن صدقهم فيها، فللأصحاب في هذا تردد: أولاً - قالوا: إن ادّعَوْا أنهم كانوا مكرهين على حضور المعركة، فلا نحكم بانتقاض عهدهم، ونقاتلهم مقاتلةَ البغاة: مقبلين غير مدبرين، وإن لم يدَّعوا الإكراه، وزعموا أنا اتبعنا هذه الفئة على علم، ولم نخرج عن متابعة المسلمين كلهم، فحاصل ما ذكره الأئمة في ذلك يستدعي تقديم أصولٍ.

وهذا فصل ألحقه معظم الأصحاب بالظواهر، وفيه تشعيث (٣) وغوص في أعماق الفقه، لا يتأتى الانتهاء إليه من غير تمهيد أصول، وتفصيل فصول، [فنقول] (٤): الكلام فيما يوجب نقض عهود أهل الذمة يأتي مستقصىً في كتاب الجزية، إن شاء الله تعالى، ونحن نذكر من ذلك المقدارَ الذي تَمَس إليه حاجتنا في بيان ما يختص بهذا الكتاب:


(١) ت ٤: " كلام ".
(٢) زيادة من المحقق.
(٣) ت٤: "تشعيب".
(٤) في الأصل: " فيعود ".