للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلنا: لا يبلغون المأمن على أحد القولين، فنقتلهم مقبلين ومدبرين، ونذفِّف على جرحاهم، فإنه يُفعل ذلك بهم بعد انقضاء القتال.

وإن قلنا: نبلغهم مأمنهم، فهل نقتلهم منهزمين؟ اختلف أصحابنا في المسألة؛ فمنهم من قال: لا نقتلهم منهزمين، كما لو انقضى القتال، والتفريع على أنا لا نغتالهم، ومن انهزم، فقد ترك القتال، ومن أصحابنا من قال: نقتلهم منهزمين، ونذفّف؛ فإن هذا من بقايا القتال، وكأنه عقوبة لهم في مقاتلتهم، وقد ذكرنا أن العقوبات تقام عليهم، وما أتلفوه في القتال -والتفريع على أنهم يبلغون المأمن- فهل يضمنونه؟ الظاهر عندنا أنهم يضمنونه؛ فإنهم في بقية من الأمان؛ ولهذا نبلغهم مأمنهم؛ ويستحيل أن نلتزم أمانهم، ولا نلزمهم ما يتلفون، فيخرج من ذلك أنهم ما صاروا أهل حرب على الإطلاق، وقد نرى في بعض المجموعات أنا إذا حكمنا بانتقاض عهدهم لا يضمنون ما يتلفون، وهذا لا يعد من المذهب، ويحمل على هفوة صادرة عن قلة الفكر.

وإن قلنا: إن عهود أهل الذمة لا تنتقض في صورة الجهل، فهم على ذمتهم إذا انقضى القتال، والكلام في أنهم هل يلتزمون ما يتلفون في حالة القتال؟ قال الأئمة رضي الله عنهم: يلزمهم ضمان ما يتلفونه حالة القتال ولا يخرج فيهم القولان المذكوران في أهل البغي، فإنا حططنا الغرم عنهم في قولٍ؛ استعطافاً لقلوبهم؛ وقَطْعاً للتبعات الثقيلة التي تمنع من الرجوع إلى الطاعة، وهذا المعنى لا يتحقق فيهم، وبالجملة ليسوا من المؤمنين، والله أمرنا بالإصلاح بين المؤمنين، ولم يذكر تَباعةً بدمٍ ولا مال، فيختص هذا التخفيف بهم، ولكنا لا نقتلهم مدبرين؛ فإنا نفرّع على أن ذمتهم باقية، والذمة حاقنة للدم، فسبيلهم في القتل كسبيل أهل البغي لا نتبع مدبرهم ولا نذفف على جريحهم، ولكنا نضمّنهم ما يتلفون.

ثم إن أوجبنا القصاص على أهل البغي، ففي إيجابه على أهل الذمة -والتفريع على أن ذمتهم غير منتقضة- وجهان: أحدهما -[أنا نوجب القصاص عليهم، كما قطعنا بإيجاب الغرم فيما أتلفوه. والثاني - أنه لا يجب القصاص عليهم لمكان الشبهة المقترنة بأحوالهم.