٦٩٥ - ومما يتعلق بهذا تفصيل القول في الجمع بين الصّلاتين، فإن قدم العصر إلى وقت الظهر، فلا شك أنه يقدم الظهر، فيؤذن ويقيم، ثم يقتصر على الإقامة لصلاة العصر، ولا يسوغ غير هذا؛ فإنه لو أذن لصلاةِ العصر لانقطع وِلاء الجمع، ولا خلاف أن الموالاة مرعية في جمع التقديم.
على أنا ذكرنا أن توالي الأذانين لا سبيل إليه إلا في صورة واحدة على قولٍ، وهي إذا قضى فائتة قبيل الزَّوَال وأذن لها على قولٍ، ثم لمّا فرغ من الفائِتة زالتِ الشمس، فأرَادَ إقامة الظهر في وقته، فإنه يؤذن لا محالة؛ فإن الأذان الواقع قبل الزوال لم يكن معتداً به عن أداء صلاة الظهر، ولم يكن دعاءً إلى صلاة الظهر.
ولو أخر الظهر إلى وقت العصر، فسيأتي في كتاب الجمع الخلاف في أنه هل يجب رعاية الترتيب والموالاة في هذا الجمع؟ فإن قلنا: يجب، فيبدأ بالظهر، ثم يأتي بالعصر، قال الأئمة: هل يؤذن لصلاة الظهر أم لا؟ فعلى الأقوال في قضاء الفائتة؛ فإن هذه الصلاة في حكم الفائتة؛ من حيث أخرجت عن وقتها المعتاد، والأذانُ المتفق عليه إنما يجري دُعاءً إلى الوقت المعتاد للصلوات. فإن قلنا: لا يؤذن لصلاة الظهر، فلا يؤذن أيضاً للعصر؛ فإنه على إيجاب رعاية الموالاة يفرعّ، والأذانُ لو تخللَ، لقطعَ الموالاة.
وهذا فيه نظر عندي. ويظهر أن نقول: يؤذن قبل صلاة الظهر، ثم ينقدح في تعليل ذلك وجهان: أحدهما - أن الصلاة مؤداة، وهذا وقت أدائها في السّفر إذا أُخِّرت. والآخر - أنه يبعد أن يدخل وقت العصر ولا يؤذن له، ثم لا يمتنع أن يقال: يقع الأذان لصلاة العصر، ويقدّم عليها صلاةُ الظهر، والإنسان يؤذن لصلاة، ثم يأتي بعد الأذان بنوافل وتطوعات إلى أن تتفق الإقامة.
فالوجه عندي: القطع بأنه يؤذن قبل صلاة الظهر ويقيم، ثم يقيم بعد الفراغ من صلاة الظهر، ويفتتح صلاة العصر.