للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتكثروا [وهيبوا] (١) وخوَّفوا، فالإمام إذا ظفر بهم بالغ في تعزيرهم على ما سيأتي مراتب التعزير، بعد هذا، في باب، إن شاء الله.

هذا هو المسلك المرضي.

ومن أصحابنا من قال: النفي من جملة العقوبات الملتحقة بالحدود، وليس المراد به الطلب إذاً، ولكن التجمع والتكثر والتهيب وتخويف الرفاق (٢) يوجب النفي بعد القدرة والظفر، ثم إذا نفاهم الإمام في صوبٍ عينه لهم، حجر عليهم أن يحيدوا عنه، ولم يتركهم ينطلقوا حيث شاؤوا، والأولى أن يُسيِّبهم (٣) في جهة يحتف بهم فيها أهل النجدة والبأس؛ حتى لا يتأتى منهم الترصد للناس، والعود إلى ما كانوا عليه، ثم اختلف الأصحاب، فقال قائلون ينفَوْن إلى بلدة، ثم يعزرون فيها ضماً إلى النفي، إما بالضرب، وإما بالحبس، وقال آخرون: للإمام أن يقتصر على النفي إذا رأى ذلك.

ثم قال هؤلاء: إذا رأى النفي أو الحبس، لم يبلغ مدة الحبس والنفي سنة، فإن التغريب سنة من حد الزنا، وهؤلاء ما اقترفوا موجِب حد.

وكل ذلك عندي خبط وتخليط؛ فإنهم لم يرتكبوا ما يستوجبون به حدّاً، فإن كان هذا التفي تعزيراً، فينبغي أن لا يجب، فإن ما يتعلق بحقوق الله تعالى من التعزيرات لا يُقضى بتحتمه، كما سيأتي ذلك، إن شاء الله، ثم إن كان تعزيراً غيرَ متحتم، فيبعد أن يختص بالنفي حتى (٤) لا يجد الإمام منه بداً إن أراد التعزير؛ فإن أصله إلى رأيه ونظره، فإذا تخير في أصله، وجب أن يكون جنسه [وصنفه] (٥) إلى رأيه، وإن صار صائرون إلى أن هذا النفيَ تعزير واجب ليس للإمام تركه، فهو مخالف لقاعدة المذهب


(١) في النسختين: " وتبينوا ". والمثبت من البسيط للغزالي.
(٢) الرفاق: جمع رفقة: والمعنى: وتخويف القوافل.
(٣) كذا في النسختين. والمعنى أن يتركهم في جهة بحيث يكونون تحت أعين رجال النجدة وفي قبضتهم، فهم يحيطون ولا يغفلون عنهم. وليس المعنى أن يسيِّبهم يذهبون حيث شاءوا، كما هو المعنى الحرفي لكلمة (يسيبهم) بل المعنى: ألا يحبسهم، فهم مطلقون، ولكن يحتف بهم أهل النجدة.
(٤) سقطت من (ت ٤).
(٥) في الأصل: " وصنعة ".