للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي القلب من هذا شيء، فإني لم أر هذا لغيره، والذي ذكره بعض الأصحاب أنه يترك حتى يسيل صليبه وودكه، والتساقط يقع بعد هذا بمدة طويلة، وإذا كنا ننتظر سيلان صليبه، فلا نبالي بإنتانه؛ إذ لا بد من هذا.

١١١٨٢ - ثم إذا قلنا: يترك على الصليب ثلاثة أيامٍ أو أقل، فيُنزل، ويسلّم إلى أهله، حتى يغسلوه، ويكفنوه، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين.

وقال أبو حنيفة (١): لا يغسل ولا يصلى عليه تغليظاً، ولا يبعد أن يقول ذلك هاهنا، وقد صار إليه في البغاة المتمسكين بالتأويل.

وإن قلنا: يترك على الصليب حتى يسيل ودكه، فقد قال الصيدلاني: يقتل على الأرض ويغسل ويصلى عليه، ثم يصلب، ثم اتفق الأصحاب في الطرق أن الغسل والصلاة لا يتركان، وذكر وقت الصلاة والغسل الصيدلاني، وهذا الذي ذكره يتفرع على ما هو ظاهر المذهب، وهو أنه يقتل على الأرض، فإن فرّع متفرع على أنه يقتل بعد الصلب، ويترك على الصليب، فتصوير غسله والصلاة عليه عسر؛ سيّما إذا بالغنا ورأينا أن يترك حتى يتساقط، ولو قال: نجمع عظامه ونصلي عليها، كان في نهاية البعد.

فهذا منتهى القول في ذلك، نقلاً وإمكاناً، وقد انتجز الكلام في عقوبة من يأخذ المال ولا يقتل، وفي عقوبة من يقتل ولا يأخذ المال، وفي عقوبة من يجمع بينهما.

١١١٨٣ - وبقي الكلام في قوله تعالى: " وينفوا من الأرض " وهذا مذكور على سياق ذكر عقوبات المحاربين، ولأصحابنا في معنى النفي من الأرض مسلكان: أصحهما -وهو الذي ذكره الجماهير- أن معنى نفيهم من الأرض إذا ولَّوْا لما شعروا بأنهم مطلوبون، فالإمام يُلحق الطلب بهم، وهم يدأبون في الهرب، وأصحاب الإمام لا يقصرون في الطلب فيتشردون مطلوبين، والغرض أن يُلحقوا، فإن كانوا استوجبوا حدوداً، أقيمت عليهم، وإن لم يقترفوا ما يوجب الحد، ولكن تجمعوا


(١) ر. المبسوط: ١٠/ ١٣١.