للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١١٨٩ - وإن تاب بعد الظفر، ففي سقوط العقوبات [مما] (١) يختص بقطع الطريق وما لا يختص به قولان، وأجرى الأصحاب هذين القولين في سائر الحدود كالقطع في السرقة، وحد الشرب، والزنا، وقد ذكرنا هذا في كتاب الحدود.

والذي نريده هاهنا أن تخصيص التوبة بما قبل الظفر وتقييدها به، يكاد أن يكون نصّاً في أن التوبة بعد الظفر لا تؤثر، ولكن من نَصَر قولَ قبول التوبة في الحدود كلها، عارض هذا التقييد أوّلاً بجريان ذكر التوبة على أثر آية السرقة؛ فإنه تعالى قال بعد آية السرقة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: ٣٩] فاقتضى هذا تأثيرَ التوبة في حد السرقة، فلو قال قائل: ليس لسقوط الحد ذكرٌ في هذه الآية، وإنما ذكر الله تعالى المغفرة؟ قيل: لم يجر في التوبة قبل الظفر في آية المحاربة أيضاً ذكر الحدود وسقوطها، ولكن ذكر المغفرة في الموضعين في العقوبات الثابتة لله تعالى، ظاهرٌ في

إسقاطها.

١١١٩٠ - ومما تعرض له بعض المحققين أن الله تعالى ذكر توبة المحارب قبل الظفر، ولم يقيده بالإصلاح، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وذكر التوبة بعد آية السرقة وقيدها بالإصلاح، فقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: ٣٩] فالتوبة المجردة قبل الظفر تُسقط الحدودَ على التفصيل المقدم من غير إصلاح الحال. وإذا قلنا بقبول التوبة (٢) بعد الظفر، فنفس إظهار التوبة لا يُسقط الحد حتى ينضم إليها إصلاح الحال، وكذلك القول في سائر الحدود إذا قلنا: إنها تسقط بالتوبة.

وهذا كلام حسن مستند إلى ظاهر القرآن، وفيه طرفٌ من المعنى، وهو أن التوبة قبل الظفر في غالب الأمر لا تصدر إلا عن إضمار (٣) صحيح، وإذا فرض إظهار التوبة


(١) في الأصل: ما.
(٢) في الأصل: " التوبة المجرّدة "، والمثبت من (ت ٤)، حيث أطلقت التوبة ولم تقيدها (بالمجردة)، وهو الذي يقتضيه القياس.
(٣) ت ٤: " احتمال ".