للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن علمنا قطعاً أنه لو جلد وقطع على التوالي، لم تَفِض نفسُه على الفور -وإن صار لما به (١) - فإذا قال صاحب النفس: عجلوا، وأنا أقبل، فيجب القطع هاهنا؛ فإن له ذلك، وما قدمناه فيه إذا كنا نجوّز أن تفيض نفسه لتوالي العقوبتين جميعاً، فنقول: لو فعل ذلك، لهلكت النفس، لا عن جهة القصاص، فلو قال القائل: إذا كان يتأتى الموالاة في أزمنة متقاربة (٢) بين هذه العقوبات، فقد يخطُِر (٣) لمستحق النفس أن يعفو، ولو عفا، فربما يهلك من والينا عليه بين العقوبتين؟ قلنا: هذا لا مبالاة به الآن، فلا يجوز ترك حق الإنسان بناء على أنه قد يعفو.

١١١٩٤ - فخرج مما ذكرناه أن مستحِق النفس إن كان غائباً في الصورة التي صورناها، فلا وجه إلا الإمهال بين الجلد والقطع، وإن حضر وكان من الممكن لو (٤) والَيْنا بين العقوبتين أن تفيض النفس بالقطع [اختراماً] (٥)، فهذا محل التردد، والأظهر الإمهال، وإن كنا نعلم أن [الاخترام] (٦) لا يقع، فلا وجه للتأخير عند الطلب.

وتبينا من هذا المنتهى مسألةً وهي أن من استُحِقت يدُه قصاصاً، واستُحِقت نفسه


(١) كذا في النسختين: (وإن صار لما به) ولم أدر لها وجهاً، ولم أعرف ما فيها من تصحيف وهي جملة معترضة على أية حال، ومعناها -كما هو واضح من السياق- أنه يوالي بين الجلد والقطع، وإن صار بذلك إلى مماته، ما دام ستبقى فيه حياة مستقرة بعد القطع تتيح استيفاء القصاص في النفس. هذا، ولم يتعرض الغزالي في البسيط ولا الرافعي في الشرح الكبير، ولا النووي في الروضة، ولا العز بن عبد السلام في مختصره- لم يتعرض أي من هؤلاء الكرام إلى هذا المعنى مع تفصيلهم للمسألة وحكمها.
(٢) ت ٤: متفاوتة.
(٣) يخطر: من بابي ضرب وقعد.
(٤) ت ٤: وإن والينا.
(٥) في الأصل: (احراما) بهذا الرسم وبدون نقط. وت ٤: (احتراما) كذا رسماً ونقطاً.
والمثبت تقدير من المحقق، والمعنى: أننا إذا توقعنا أن تخرج نفسه بسبب توالي الجلد والقطع، فهذا محل التردد. وذلك أن الاخترام هو الهلاك بالجوائح، وليس حتف الأنف (ر. المصباح).
(٦) في الأصل: الإحرام. و (ت ٤): الاحترام.