للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضاً قصاصاً، فالبداية بإجراء القصاص في الطرف، ولا فرق بين أن يتقدم استحقاقه للقصاص وبين أن يتأخر، فإن المرعي في هذا الباب ألا نفوّتَ على ذي حق حقاً، وهذا لا يُتلقى من الترتيب في الاستحقاق، والدليل عليه أنا نقدم حدّ الله تعالى في الاستيفاء إذا كان دون النفس على القتل المستحَق قصاصاً، وإن كان حق الآدمي في العقوبة مقدماً على الحد.

والغرض من هذا المساق أن مستحِق الطرف لو عفا عن الطرف، فالقصاص قائم في النفس، ولو لم يعف مستحق الطرف، ولكن كان يؤخر استيفاءَ القصاص، [فإجباره] (١) على التعجيل محال، وحمله على [العفو محال] (٢)، وتفويت حقِّه بتسليط مستحق النفس على القتل لا وجه له.

وينتظم من هذا المجموع أن من يستحق أنملة من إنسان يتسبب إلى تأخير القصاص في نفسه، وإنما فرضنا في القصاص، (٣ لأن حق الله تعالى يعجل، والإمام محمول عليه، وهذا لا يتحقق في القصاص؛ فإن مستحق الطرف في القصاص ٣)، لا يُحَثُّ على [الاستيفاء] (٤) ولا يؤمر بالعفو، ولا نفوِّت حقّه، ولكن مستحق النفس لو ابتدر، وقتل، وقع القصاص في النفس موقعه، ويسقط القصاص في الطرف لفوات المحل وآل أمر مستحِق الطرف إلى المال، وما ذكرناه فيه إذا كانت العقوبات حقوقاً للآدميين.

١١١٩٥ - فأما إذا اجتمعت عقوبات لله تعالى، كحد الشرب، وحد الزنا بالجلد، وقطع اليد، والقتل في الحرابة، فلا بد من البداية بالأخف منها، وهذا الترتيب مستحَق، فإنا إذا فعلنا ذلك، وضممنا إليه الإمهال بين العقوبتين، كان ذلك مسهِّلاً طريق إقامة الحدود، مانعاً من الفوات في البعض، ثم إذا حددناه للشرب،


(١) زيادة من (ت ٤).
(٢) في الأصل: " وحمله على العقوبات، وتفويت ... إلخ ".
(٣) ما بين القوسين ساقط من (ت ٤).
(٤) في الأصل: " استيفاء "، والمثبت من (ت ٤).