للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلف نص الشافعي في أن الرّجل لوْ كان في الصّلاة، فسمع الأذان، هل يُجيب أمْ لا؟، فذكر الأئمة قولين، وكان شيخي يذكرهما في الاستحباب، ويقول: لا تستحب الإجابة فيِ الصلاة في قولٍ؛ فإن الصلاة مشحونة بوظائف القراءة والأذكار، فينبغي ألا يُغيَّرَ ترتيبُها ولا يَثبُت فيها حُكمٌ من أمرٍ خارج منها، وفي قولٍ: يستحب؛ فإنها أذكار، ولو أُخِّرت، فقد يطرأ عائق في تداركها، وأيضاً فإنا أمرنا بالإجابة، والإجابة متصلة بالمسمُوع، فإذا أخرت، لم تكن إجابةً، ثم كان يقول: إن قلنا: لا تجب في الصلاة، فإذا تحلَّل، أعاد تلك الكلمات.

وذَكر آخرون: أن القولين فى إثبات الكراهية ونفيها، فأمَّا الاستحباب، فلا، قولاً واحداً، وكأنّا نكره في قولٍ، ولا نكره في آخر.

وذكر الشيخ أبو علي (١) أن المسألة ليست على قولين، بل نقطع بنفي الاستحباب.

ولا يكره ولا يستحب، قولاً واحداً، بل هو مباح. وهذه الطريقة هي المرضية.

ثم من يرى الإجابة، فلا شك أنه ينهى عنها في أثناء قراءة الفاتحة؛ فإن القراءة يُقطعُ وِلاؤها بكلِّ ذكر.

وقد رأيت في كلام صاحب التقريب رمزاً إلى أن إجابة الإقامة -وهي على إدرَاج (٢) - لا نراها، وإنما تجاب كلمة الإقامة، وهي قول المقيم "قد قامت الصلاة". وهذا فيه احتمال، ولكن الظاهر ما قدّمناه من قول الأصحاب (٣).


= البخاري: كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء، ح ٦١٤، النسائي: كتاب الأذان، باب الدعاء عند الأذان، ح ٦٨٠، ابن خزيمة: ح ٤٢٠، التلخيص: ١/ ٢١٠ ح ٣١٠).
(١) في (ت ١): الشيخ أبو بكر. والصواب: أبو علي، كما حكاه عنه النووي في المجموع جزء ٣ ص ١١٨.
(٢) إدراج أي إسراع، بمعنى أن المقيم يوالي بين الألفاظ، ولا يرتلها كالأذان، بل يصل بعضها ببعض، وأصل الإدراج: الطي. من أدرجت الكتاب والثوب، إذا طويتهما. (ر. حاشية الشرواني: ١/ ٤٦٧، والزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: فقرة ٨١).
(٣) وصف النووي هذا الوجه المحكي عن صاحب التقريب بأنه شاذ ضعيف، وقال: "قطع الأصحاب بخلافه، إلا الغزالي فقد حكى هذا الوجه عن صاحب التقريب، في كتابه البسيط". (المجموع: ٣/ ١١٧، ١١٨).