للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو حنيفة كونَ الفاسق من أهل الشهادة، وكذلك قضى بانعقاد النكاح بحضور فاسقين، وجعل الفاسق من أهل اللعان، ولا تعويل على مذهبه في طلب القواعد، فإنه حكم بانعقاد النكاح بحضور محدودَيْن في القذف، ولم يجعل المحدود من أهل اللعان.

ولنا عَوْصاء (١) بالتنبيه على ذلك أن الأصحاب أطلقوا أقوالهم بأن القاضي لا يرجع على الفاسق؛ فإن الفاسق من أهل الشهادة على رأيٍ. وهذا فيه نظر؛ فإن العبد من أهل الشهادة عند شطر الأمة، وهو من أهل الرواية بلا خلاف، فينبغي أن يكون مأخذ هذا من أصل آخر، وهو أن نقول: إن كان التفسيق مجتهداً (٢) فيه، فلا رجوع بما ذكرناه، وإن كان التفسيق بما يوجب التفسيق وفاقاً، فيحتمل أوجهاً: أحدها - ثبوت الرجوع بما ذكرناه في الكافر والرقيق. والثاني - أن لا رجوع أصلاً، لأن الفاسق مأمور بكتمان فسقه، والعبد والكافر مأموران بإظهار حالهما. والثالث - أنه إن كان مستسرّاً بالفسق مكاتماً، فلا رجوع، وإن كان معلناً بالفسق غير مبالٍ به، فهو كالرقيق، وهذا يقرب من اختلاف الأصحاب في أن المعلن بالفسق لو شهد، فردّت شهادته ثم أظهر العدالة وأعاد الشهادة، ففي قبول تلك الشهادة خلاف.

هذا منتهى القول في الصور التي أردنا ذكرها في غلط الإمام. ثم ذكر الشافعي على أثر هذا الكلامَ على الجلاد، وهذا لائق بهذا المنتهى.

١١٢٢٠ - قال: " وليس على الجالد شيء ... إلى آخره " (٣).

الجلاد سوطُ الإمام وسيفُه، فإذا قَتل وقَطع وجَلد- وهو يُصدر جميعَ أفعاله عن أمر الإمام- فلا يتعلّق به ضمان إذا لم يكن مطلعاً على حقيقة الحال، وإنما يَتَّبِع، ويرتسم، ولا يُشترط أن يكون مكرهاً؛ فإنا لو شرطنا ذلك، ضاق التصرف على الإمام، واحتاج إلى التكفل بالجلاد، والتوثق منه بالحبس، وذلك يخالف قاعدة الشرع وسِيَر الأولين، ولو راعينا الإكراه، لخرّجنا الجلاد على اختلاف الفقهاء في


(١) عوصاء: أي شدة ومشكلة. (المعجم).
(٢) في الأصل: " مجتهد ".
(٣) ر. المختصر: ٥/ ١٧٦.