للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أصحابنا من قال: لو رأى الإمامُ الصفحَ والسعي في الإصلاح، فعل، كما يفعل في الأمور العامة. وهذا الوجه أعوص (١) من الأول؛ فإن مقدار التعزير إلى الإمام، والتغليظ بالقول من التعزير، ونحن لا نعتقد تصوّر صورة لا يرى الإمام فيها [رأيه] (٢)؛ فإن من أساء أدبه بالجهات التي ذكرناها لا نسكت عنه، ولا نُكره على مقابلة (٣) سوء أدبه. فيؤول هذا إلى أن الإمام لو أراد الاقتصار من التعزير على كلامٍ، فهل له ذلك؟

ومما يتعلّق بهذا أن المُؤْذَى بالتعريض أو التصريح لو عفا (٤) ورأى الإمام أن يؤدبه (٥) حقاً لله تعالى؛ حتى لا يستجرىء على أمثال ما صدر منه؟ فهذا فيه تردّدٌ نجمعه إلى آخر، وهو أن من استحق الحدّ أو استحق القصاص لو عفا عن حقه، فهل للإمام أن يعزره بما يراه استصلاحاً؟ فيه تردّد.

وإذا ضممنا صور التعزير إلى صور الحدود، انتظم منها أوجه: أحدها - أن الإمام لا يضرب إذا عفا صاحب الحق. والثاني - له أن يعزر نظراً إلى الصلاح الكلي.

والثالث - أنه لا يعزر في مقام الحدّ إذا عفا مستحِقُّه؛ لأنه غير مفوّض إلى اجتهاد الإمام إذا طلب؛ فلا يفوّض إليه الأمر إذا عفا المستحِق، والتعزيرات في قاعدتها مفوضة قدراً ومحلاً إلى اجتهاد الإمام.

هذا مقدار ما أردناه في ذلك، وفي المبالغ المرعية في التعزيرات كلام للأصحاب يأتي في الباب، إن شاء الله.


(١) كذا. ولعلها: أفقه من الأول.
(٢) مكان كلمة تعذرت قراءتها، فقد رسمت هكذا: (توصحا) بدون نقط.
(٣) مقابلة: أي لقاء، وهي هنا بمعنى مباشرة ومعاناة سوء أدبه.
(٤) المعنى: لو عفا من وقع عليه الإيذاء بقذفٍ يستدعي تعزيراً لا حدّاً كما صوره.
(٥) يشير إلى الصورة التي فرضها آنفاً، وهي: لو أن شخصاً عرّض بقذف محصن، أو صرح بقذف من ليس بمحصن، أو كرر القذف بزنى حُدّ فيه، ففي هذه الحالات يكون التعزير حقاً للمقذوف، فلو عفا المقذوف، فهل للإمام أن يؤدب في هذه الحالة؟ هذا معنى العبارة التي نحن فيها.