للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفويض إلى الإمام تخيّراً صدَرُه الإرادة من غير سبب، ولكنْ حقٌّ على الإمام أن يرعى مصالح الخلق، فإن رأى إقالةَ عثرةٍ، وجرَّ ذيل الصفح على هفوة، فليفعل ذلك. ولا يسوغ والحالة هذه التعزير، وإن غلب على ظنه أن وجه الاستصلاح في ضرب من تعرّض للتعزير، فحق عليه أن يضرب.

والحدود تتميز عن التعزيرات بأنها إذا ثبتت، فلا اجتهاد ولا تردد فيها، وقد قطعت النصوص رأيَ كل ذي رأي فيها، فلا وجه إلا إقامتُها إذا حُقت، وإن ثبت ما يدفع ويدرأ، فلا وجه للإقامة، والتعزيراتُ مفوضة إلى الاجتهاد. هذا مراد الأئمة لا غير.

ثم قتيل التعزير مضمونٌ؛ من جهة أن الإمام يجب عليه الاقتصار في التعزير على المبلغ الذي لا يُهلك، كما ذكرناه في تعزير الزوج، والولي، والمؤدب، فهذا مأخوذ على الإمام، وهو مؤاخذ بما ذكرناه، وليس هذا عن جهة خروج التعزير عن المقدار المتلقى من التوقيف، فإنا لا نضمِّن الدافع (١) إذا رأيناه مقتصراً على حاجة الدفع، وإن لم تكن أبوابه محدودة توقيفاً، ولكن قيل: لا موقف لك، فاتبع حاجتك في الدفع، وإن أتى على القاصد (٢).

وليس للإمام أن يعزر إلى حصول القتل، بل إلى حصول التأدّب.

١١٢٢٦ - ومما تردد الأئمة فيه أن التعزير إذا تعلق بحق الآدمي، مثل أن يُعرِّض بقذف محصن، أو يصرّح بقذف من ليس بمحصن، أو يكرر القذف بزنا قد حُدّ فيه، فهذه التعزيرات متعلّقةٌ بحقوق الآدميين، فإذا طلبوها، فهل للإمام ألاّ يقيمها، إذا رأى الصفح، والتجاوز أولى؟ اختلف أئمتنا: فصار صائرون إلى أنه لا خِيرةَ للإمام، وحقٌّ عليه أن يسعف الطالبَ قياساً للتعزير في هذه المقامات على الحدود إذا وَجَبَتْ.


(١) المراد أن الدافع الذي يدفع عن نفسه لا نضمّنه ما يترتب على الدفع المأذون له فيه، إذا اقتصر على قدر الدفع.
(٢) القاصد: هو المعتدي الذي أجزنا للدافع أن يدفعه، فلو أتى على القاصد وقتله لا يضمن إذا كان لا يتأتى الدفعُ إلا بقتله.