كما أيد الخطيب، والذهبي، وابن كثير، ورعه وزهده، وصدقه مع الله، وأنه مستجاب الدعاء، بقصة أوردها الثلاثة بألفاظٍ واحدة تقريباً، وألفاظها عند الذهبي: قال: حدثني أبو القاسم الصيمري قال: حدثني أبو القاسم بنُ علانَ الواسطي، قال: لما أصابَ أبا الحسن الكرخي الفالجُ فى آخر عمره، حضرته، وحضر أصحابه: أبو بكر الدامغاني، وأبو علي الشاشي، وأبو عبد الله البصري، فقالوا: هذا مرض يحتاج إلى نفقة وعلاج، والشيخ مقل، ولا ينبغي أن نبذله للناس، فكتبوا إلى سيف الدولة بن حمدان، فأحس الشيخ بما هم فيه، فبكى، وقال: اللهم لا تجعل رزقي إلا من حيث عودتني، فمات قبل أن يحمل إليه شيء، ثم جاء من سيف الدولة عشرة آلاف درهم، فتُصدِّق بها عنه".
لما عرفتُ هذا. عرفت صاحب العبارة وسيرته، قلت: سبحان الله!! هذا العالم العابد الزاهد، مستجاب الدعاء، الذي لم يتعلق من دنيا الناس بشيء، كيف تُقرأ عبارته هذه القراءة؟؟
فتأكد لي صحة قراءتي لهذا القول، فقد صح عندي، ولا يصح في العقل غيره - أن الإمام أبا الحسن الكرخي يقول: ما كان لنا ولشيوخنا أن نخالف أمر الله، فنترك الآية أو الحديث إلى الرأي، فإذا وجدت شيئاً من هذا، فاعلم أنه ترجح عندنا صرفه عن ظاهره بدليلٍ، أو تأكد عندنا أنه منسوخ، أو أن الحديث لم يصح، ومعاذ الله أن نترك الآية والحديث لرأينا.
هكذا قرأنا هذه العبارة، ولا يصح غيرُ هذه القراءة في ضوء العصر الذي قيلت فيه، وفي ضوء المعرفة بصاحبها وسيرته.
أما أن تقرأ هذه العبارة تلك القراءة الشائنة، فذلك أثر من آثار ثقافة شوهاء نحو تاريخنا بشقيه السياسي والفكري.
وكم أتمنى أن يعثر باحث على أول من ردّد هذه العبارة، وقرأها هذه القراءة، فإني أشم فيها ذَفَر المستشرقين، وقمامة أفكارهم.
ويؤكد صحة قراءتي ما قاله شيخنا الإمام أبو زهرة حين قال: "ونحب أن نُقرر هنا