للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخذه أو بمثله، ما داما (١) في دار الحرب، فإن اتصل الجند بدار الإسلام -كما سنصف، إن شاء الله تعالى، القول في المكان- فالمستقرض لا يرد على المقرض شيئاً، فإنه انقطعت حقوق الغانمين عن الأطعمة بالتعلّق بدار الإسلام.

والإمام يأخذ من المستقرض على هذا الوجه الضعيف (٢) ما استقرضه إذا كانت العين باقية، ثم إن أمكن ردُّه إلى المغنم، فعل، وإن تفرق الجند وعسر فضّ مُدٍّ من طعامٍ على مائة ألف، فقد قال الصيدلاني: الإمام يصرفه إلى خمس الخمس، عنى بذاك سهمَ المصالح، ويجعل كأن الغانمين أعرضوا عنه، وقيل: سبيله سبيل الفيء، وكأنه خرج عن حكم المغنم، وهذا ضعيف لا أصل له، إذ لو كانوا كذلك، لما وجب الرّد إلى المغنم إذا أمكن الردّ. وقد اتفق الأصحاب على وجوب ذلك.

فإذاً المذهب فساد القرض، وتفريعه أن المستقرض كالآخذ بنفسه، فإن أكله في دار الحرب، فلا تبعة، وإن بقي معه حتى تعلّق بدار الإسلام، فإنه يردّه إلى المغنم على تفاصيلَ سنذكرها إن شاء الله تعالى. والوجه الذي ذكره الصيدلاني أن للمقرض مطالبة المستقرض ما داما في دار الحرب، وهذا نص الشافعي: " فإذا خرج إلى دار الإسلام، فالردّ على الإمام " (٣) إذا كانت العين قائمة، فأما إذا أُكل واستُهلك، وتعلقا بدار الإسلام فالذي قطع به كل محقق أنه لا يطالَب المستقرض بشيء. وإن كانت العين قائمة، وتيسّر الردّ إلى المغنم ردّ، وإن تعذّر، ففيه التردّد الذي ذكرناه.

فخرج مما ذكرناه أن تصحيح القرض لا يفيد إلا مطالبة المقرض المستقرضَ ما دام في دار الحرب، فأما العين إذا كانت قائمة ردّها أو ردّ مثلها من طعام المغنم، وكأنه ألزمه بالإقراض أن يحصّل من طعام المغنم ما يماثل ما أخذه، فإن لم يكن في المغنم غير ما أخذ، وقد أُكل الباقي، ردّ ما أخذ، وإن أتلفه، فلا طِلْبَةَ عليه، إذا لم يكن


(١) ما داما: أي المقرض والمقترض.
ثم هذا في إقراضه غانماً آخر، أما غير الغانمين، فلا يجوز إقراضهم أصلاً، وإذا أقرض الغانم أجنبياً، وجب على المفترض ردّه إلى المغنم (ر. الروضة: ١٠/ ٢٦٥).
(٢) الوجه الضعيف القائل بجواز المطالبة.
هذا. وقد عرض النووي الوجهين، ولم يرجح واحداً منهما.
(٣) ر. المختصر: ٥/ ١٨٤. وهذا معنى كلام الشافعي لا بنصه.