للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاضي ومعظم المحققين. نعم. لو باع صاعاً بصاعين، وفرعنا على تنزيل البيع في إثبات حكم المطالبة في دار الحرب منزلة القرض، ففي هذا تدبّر، فإن سلم صاعاً لم يملك إلا طلبَ صاعٍ تشبيهاً بالقرض، وإن بذل صاعين، لم يطلب إلا صاعاً، ويحمل الزائد على البذل، فإنه لم يقصد ببذله إلزام عوض في مقابلته، هذا هو الممكن.

والتفريع محيط على الأصل الخارج عن الضبط والقياس (١).

١١٣٢٩ - ومما نتكلم فيه المكان: فالجند ما داموا في دار الحرب ينبسطون في الطعام لما ذكرنا، وإن تعلّقوا بأطراف عُمران الإسلام، وتمكنوا من شراء الطعام والعلف، كفوا أيديهم، وإن تعلقوا بأطراف دار الإسلام، ولا عمارة، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنهم لا ينبسطون؛ فإن الرخصة تثبت في دار الحرب لا غير والثاني - أن التبسط جائز لدوام الحاجة.

ولو كانوا يجدون في دار الحرب ما يشترون من الأطعمة، فلم أرَ أحداً من الأصحاب يمنع التبسط بهذا السبب، ونزّلوا دار الحرب في أمر الطعام منزلة السفر في الرخص، فإن الرخص، وإن ثبتت في مقابلة مشقات السفر، فالمترفّه الذي لا كلفة عليه يشارك المشقوق عليه في سفره، فهذا ما يجب القطع به، إلا أن يدخل الجند في بلاد مضافة إلى الكفار يقطنها أهل الذمة والعهد، لا يشاركهم في المساكنة مسلم، فإذا كانت هذه الدار في قبضة الإسلام، وكان أهلها ملتزمين أحكامنا، فهي بمثابة ديار الإسلام في الحكم الذي نطلبه.


(١) ولعل من المناسب أن نذكر عبارة الغزالي في البسيط عن هذه المسألة، قال رضي الله عنه: " فأما إذا جرى بيع صاع بصاع مثلاً من طعام المغنم، فلا ينعقد البيع؛ إذ لا تملّك، والصحيح أنه لا حكم له كما في القرض على الظاهر.
وقطع الصيدلاني في البيع بالبطلان، وفي الإقراض بإثبات حكم، وهو تناقض، بل ينبغي أن يقال: بيع الصاع اقتراض من كل وجه يستعقب من اللزوم ما يستعقبه الإقراض؛ حتى لو باع صاعاً بصاعين لم يطالِب إلا بصاع واحد، فإنه في حكم القرض، ولو باع صاعين بصاع لم يطالِب إلا بصاع واحد؛ فإن الصاع الآخر بذله من غير قصد العوض " (البسيط: ٥/ورقة: ١٦٣ شمال).