للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان الكفار معنا في مهادنة، [ولا] (١) يستسلمون لأحكامنا، ولكنهم لا يؤذون من يطرقهم من المسلمين، وقد لا يمتنعون عن المبايعة والمشاراة، فإذا كان كذلك، فالأظهر وجوب كف اليد عن أطعمة المغنم إذا ظهر التمكن من تحصيل الطعام، وإن لم تكن ديار المعاهَدين المستمسكين بالهدنة مَعْزيّة (٢) إلى ديار الإسلام.

وإذا أخرجنا (٣) ديار أهل الذمة، وديار المعاهدين، فنعتبر (٤) بفَصْل طروقنا ديار الكفار، وهم يختلطون بنا في المعاملة، ولا عهد ولا أمان، [فما ذكرناه] (٥) من تصوير وجود الطعام عسر، فإن أمكن ولم يكن عهد، فجوابه ما قدّمناه.

١١٣٣٥ - ومما يتصل بتتمة الفصل أن الغانمين إذا تعلّقوا بديار الإسلام وحرم عليهم ابتداء الأخذ، فلو كان معهم فضلاتٌ من الطعام التي أخذوها في دار الحرب، فهل يلزمهم ردّها؟ فظاهر المذهب أنه يلزمهم الردّ، وحكى الصيدلاني وغيره قولاً عن سِيَرِ الأوزاعي أنه لا يلزم الرّد، فإنه بقيّةُ مأخوذٍ على سبيل الإباحة، فلا يُمنع. فانتظم قولان: أحدهما - وجوب الردّ، والثاني - أنه لا يجب الردّ. وكان شيخنا يفصّل بين ماله قدرٌ وقيمة، وبمثله احتفال، وبين كَسْر الخبز ونَفَض السُّفَر (٦)، وبقايا الأَتْبان في المخالي، ويقول: القولان في هذه الأشياء، فأما ما يُقصد، وينتحى، فمردودٌ وفاقاً، وغيره من الأئمة لم يفصّل هذا التفصيل.

وأنا أقول: إن حمل الغازي من الطعام ما يغلب على الظن مع السير الدائم وتواصل التناقل أنه يفضل منه شيء عند الاتصال بدار الإسلام، فهذا مردود، وليس له حكم الفضلات.


(١) في الأصل: " فلا ".
(٢) معزيّة: من عزا يعزي؛ فالفعل واوي ويائي.
(٣) أخرجنا: أي استثنينا كما هي عبارة الغزالي.
(٤) فنعتبر: أي نقيس على ما قلناه في فصل طروقنا ديار الكفار.
(٥) في الأصل: " مما ذكرناه ".
(٦) الكَسْر بفتح وسكون: النزر اليسير، والنَّفَض: بفتح النون والفاء: المنفوض بمعنى ما يتساقط من الشيء عند نفضه. (ر. اللسان. والمعجم) ويمكن أن يُضبطَ الكِسَر (بكسر الكاف وفتح السين): جمع كِسْرة.