للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمراً يمكن مخادعة الله فيه، ووقوع إبرام العزم على العود في النفس من غير تردد إلا في مشيئة الله تعالى لا يمكن تكلف تحصيله، فهؤلاء -من الأصحاب- سوّغوا الهزيمة إذا وجد المنهزم في نفسه العزمَ على العود، ولا بدّ من التفريع على الطريقتين حتى يتناهى وضوح كل واحدةٍ منهما.

١١٣٣٩ - فأما من يجوّز الهزيمة إذا تحقق القصد في التحيز إلى فئة، فإنه يقول: لا يجب أن يشتغل بالعود والاستنجاد، ولا يتعين الاستبداد في ترشيح جمع، ولكن إذا اتفق الجمع، فهل يجب عليه الوفاء بالقصد الذي قدمه؟ هذا فيه نظر، فإن إيجابه وقد انتهى إلى أقصى الشرق أو الغرب في حكم القضاء لأمرٍ فات، وتصوير القضاء عسرٌ في الجهاد.

ومن ولّى الكفار دبره، وباء بغضب من الله، وتعرّض لأليم عقابه، لا يلزمه أن يعود إلى الجهاد، فكيف يلزم من قصد التحيز أن يحقق قصده؟ ومن نذر الجهاد، فسنذكر إن شاء الله تعالى أن النذر لا يؤثر في الجهاد على طريقة ظاهرة. وكذلك إذا نذر الصلاة على ميت، والقصد في العود لا يزيد على التصريح بالالتزام، ويعترض في هذا إشكال، وهو أن القصد إذا لم يجب الوفاء به في حكم اللغو الذي لا حكم له، فيجوز أن يقال: من فرّ متحيزاً، فحق عليه أن يعود إذا أمكن العود، ويجوز أن يقال: لا يجب ذلك، ولفظ الصيدلاني في مجموعه: " أنه متى فرّ على قصد أن يعود إلى الجهاد إذا وجد أعواناً وقوة، فليس بعاصٍ، وإنما العاصي من يفرّ على قصد ألا يعود، بل يعصي إمامه إذا أمره بالعود "، وظاهر هذا يدلّ على أن قصده لا يغير من أمره شيئاً، فإن الإمام مهما عين متمكناً من الجهاد، لزمه أن يمتثل أمره. وبالجملة المسألة محتملة، والاحتمال فيه ظاهر.

هذا إذا وقع التفريع على أن التحيز إلى الفئة البعيدة يحطّ مأثم الفرار، ووبال الهزيمة، فأما إذا حملنا التحيز على الاستنجاد بالفئة القريبة التي يمكن منها إنجاد أهل هذه المعركة، فهذا في نفسه مفهوم، وليس فيه ما يبيح الفرار، ومن آثار هذه الطريقة أنه إذا لم يكن في القرب فئة ذات نجدة، فتجب المصابرة، ويحرم الفرار. ويتسق على هذا المذهب وجوب المصابرة في معظم الصور؛ فإن