للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي بعض التصانيف أن التحيز ينبغي أن يكون إلى فئة قريبة، وهذا هو الذي ذكره القاضي، وهذا كلامٌ مبهم.

وأنا أرى في هذا تفاوتاً واختلافاً بيناً بين الطرق، فنذكر ما فهمناه من معنى القرب على أقرب [معتبر] (١). ثم نذكر معنى التسوية بين القريب والبعيد، فأما اعتبار القرب، فلا ينبغي [أن ينزّل على مسافة القصر] (٢)، فإن هذا لا أثر له في الغرض المطلوب، بل معنى القرب أن يكون على القرب من المعترك فئة من المرابطين، وجمعٌ من المسلمين ذوي النجدة والبأس، [بحيث] (٣) يقدّر التحيزُ إليهم استنجاداً بهم [حتى يدركوا المسلمين وينجدوهم] (٤)، ولا يبعد أن يدركوهم والحرب قائمة.

هذا معنى التحيز إلى الفئة القريبة، وهؤلاء يقولون إذا بعدت الفئة، فليس التحيز إليهم استنجاداً في هذا القتال، وإنما هو تركُ القتال قصداً، وعزمٌ على الجهاد يوماً من الدهر إذا اتفق العود، ولو فتحنا هذا الباب فنسوغ مثلَه للجند بأجمعهم، وإن زادوا على عدد الكفار، وهذا يبعد على النسق الذي ذكرناه. وإذا حملنا التحيز على الاستنجاد بالفئة القريبة التي قد تلحق المعترك، فهذا قرين التحرف للقتال، وقد ذكر الله تعالى التحرف والتحيز في قَرَنٍ. هذا معنى القرب على هذه الطريقة.

ومن جوّز الهزيمة على قصد التحيز إلى الفئة البعيدة، فلا شك أنه فرار ناجز، وكان القصدُ في العَوْد بخلاف (٥) المصابرة، ويبطل على هذا إطلاق القول بأن الجهاد يتعين المصابرة فيه، ولا حاصل لذكر الضِّعف والزيادة عليه.

ولكن يعترض في هذا شيء حتى لا يتسع الفتق، وهو أن تجريد هذا القصد ليس


(١) في الأصل: " من اعتبره ". وما أثبتناه هو المعهود في لفظ الإمام، وهو المناسب للسياق.
(٢) في الأصل: " أن ينزل " على ما يقصر على مسافة القصر.
(٣) في الأصل: " فحيث ".
(٤) في الأصل: " حتى يدرك المسلمين وينجدها ".
(٥) بخلاف المصابرة: أي مكان المصابرة وبديلاً عنها.