للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا فرق في المغارم والعقوبات وقواعد التكليف بين الباب والباب، وكيف يستحسن الإنسانُ المصير إلى أن الصائرين إلى دار الحرب من دار الإسلام تنحلّ عنهم عُرى أحكام الإسلام، ولا يلتزمون منها ما يُلزِمُه أهلَ الحرب.

واختلف نص الشافعي في أن الإمام هل يقيم الحد على من استوجبه من المسلمين في دار الحرب، فاضطرب أئمتنا، فقال قائلون: في كراهة ذلك قولان، ولا أحد يصير إلى التحريم.

وقال قائلون: النصان منزلان على حالين، فإن كان لا يخاف افتناناً، أقام الحد، وإن خاف فتنة، فلا نؤثر إقامةَ الحد، وذلك بأن يتداخل المحدود مغيظةٌ، وقد تكون سبب انقلابه، وقد يكون شريفاً في قومه، فيحملهم ما يجرى على سيدهم على الانفلال (١)، فالنهي عن الإقامة محمول على مثل هذه الصورة. وإن ظهر وقوع ما أشرنا إليه، وغلب على الظنّ كونُه (٢)، فالظاهر عندي، أنه يجب اجتنابه، وحد الكراهية لا ينتهي إلى المباح الذي وصفناه، ولكن إن كان التوقع على ندور، أو لم يكن غالباً في الظن، فهذا مظنة الكراهية، وإن غلب وظهر، فالأوجه الاجتناب.

ثم ذكر الشافعي رحمه الله كلاماً في الذين لم تبلغهم الدعوة إذا انتهينا إليهم (٣).

وهذا مما قدمته على أبلغ وجهٍ في البيان في كتاب الديات، عند ذكري أبدال نفوس أهل الملل وأقدار دياتهم.

...


=المنيفة: ص ١٧٤، طريقة الخلاف: ص ٢٤١ مسألة ٩٧، إيثار الإنصاف: ص ٢٤٤.
(١) الانفلال: الانهزام. من انفلّ القوم أو الجند: أي انهزموا (المعجم).
(٢) كونه: أي وجوده: كان هنا تامة.
(٣) ر. المختصر: ٥/ ١٨٨.