فأما إذا استُرِق، ومات رقيقاً، فنقول: أولاً- لا مطمع لسيده في ملك الأموال، ولا تعلق له فيها، والمنصوص عليه في هذه الصورة أنها تصير فيئاً. هذا هو النص، وليس كما لو مات حراً بعد نبذ العهد؛ فإن الشافعي نص على قولين في أنا هل نصرف الأموال إلى الورثة، فأجرى قولين، ثم قطع هاهنا بأن تلك الأموال فيء، والفرق متضح؛ فإن التوريث ثَمَّ إن قلنا به، فهو توريث من حرّ، وهاهنا لو صرفنا المال إلى الورثة، لكنا صرفناه إليهم توريثاً عن رقيق، وهو غير جارٍ على القاعدة، فاتضح الفرق.
١١٣٨٧ - ولكنْ للشافعي نصٌّ في مسألة تساوي هذه، والنص على المخالفة، وتلك المسألة مقصودة في نفسها، وقد أجلناها من كتاب الجراح إلى هذا الفصل، وقلّما يوجد في المعضلات مثلُها؛ فإنه يشترك فيها -كما سنُفصّلها- أصول متعارضة.
فالرأي أن نأتي بها ونبالغ في كشفها، وتنزيل فروعها على أصولها، ثم إذا لاحت المسألةُ، انعطفنا بعدها على غرضنا من الأموال التي استُرق مالكها.
وصورة المسألة أن يجني مسلمٌ أو ذمي على ذمي، فيقطع يديه مثلاً، ثم يلتحق الذميّ المجني عليه بدار الحرب، ويصير حرباً لنا، ثم يقع في الأسر، ويرى صاحب الأمر أن يضرب عليه الرق؛ فإذا رَقَّ -وتعيّن مالكه ضرْباً للمثل- والجراحة القديمة به، وسرايتها دائمة، فما الذي يجب على الجاني؟ وما يصرف إلى السيد؟ وإن فرض فاضل، فإلى من يصرف؟
فالذي يقتضيه الترتيب أن نذكر أولاً ما يلتزمه الجاني، ثم نذكر من يصرف إليه، والقول فيما يلتزمه الجاني يستدعي تجديد العهد بتراجم الأصول؛ فإن المسألة تلتفت إليها.
منها أن من قطع يدي عبدٍ قيمته مائتان من الإبل، ثم عتق ومات، فلا خلاف أن الجاني لا يلتزم أكثر من الدية نظراً إلى المآل، وهذا من الأصول الممهَّدة، وهو النظر إلى المآل في المقدار.