للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أصحابنا من صحّح النفل من المضطجع، ويرى ترك الركوع والسجود، والاقتصارَ على الإيماء فيهما، بمثابة ترك القيام، وهذا ضعيف. وما رآه الإصطخري من النافلة على الراحلة تصريح بجواز الاقتصار على الإيماء بالركوع والسجود.

فإن قيل: لعلّه يُخصص ذلك بالمتقلّب؛ فإنه مضطر، أو محتاج إلى تقلّبه في البلد؟ قلنا: لا وجه لذلك؛ فإن المقيم جُوِّز له أن يمسح على خفّيه يوما وليلة، وقد يتخيَّل ذلك لأجل ما يليق بتقلّب المقيم. ولكن اللابث في مكانٍ واحد يمسح مسح المتردد.

فإذن حاصلُ القول: أن ترك القيام جائز في النفل، ثمّ ظنّ قوم أن ترك الركوع والسجود في معناه؛ إجزاءً لهيئات البدن مجرىً واحداً.

وذكر الصيدلاني أن المقيم لو كان على دابة واقفة، فاستمكن من إتمام الركوع والسجود، وكان مستقبلاً في صلاة النافلة، صحّت نافلتُه؛ وإن كانت الفريضة لا تصحّ منه -كما تقدّم ذكره- فالخلاف المقدّم فيمن لا يتمّ الركوع والسجود، أو يستدبر القبلة، أو كان يُرْخي (١) دابته؛ فإنّ حركتها مضافة إليها.

وأما القراءة، وما يجب عقده في النية، أو التلفظ به في التحريم، فالنفل في أصله كالفرض. وصار الأكثرون إلى تخصيص الرخصة بالقيام.

٧١٥ - فهذا قولنا في النافلة تقام مع الإيماء، وفي تنفّل المقيم راكباً وماشياً.

ولكن مع أمرين آخرين: أحدهما - كثرة الأفعال التي ليست من الصلاة: كالمشي، وحركةُ الدابّة بالمصلي في معنى مشي المصلي.

والثاني - تركُ استقبال القبلة. والأصل أن النوافل كالفرائض، فيما يتعلق بالشرائط، فإذا بَعُدَ تجويز التنفل مُومياً -مع الاستقبال، والسكون عن الأفعال التي ليست من الصلاة- كان التنفل على الدابة، وماشياً مع الاستقبال، أبعدَ عن الجواز؛ لمكان الأفعال الكثيرة؛ وكان التنفّل راكباً -مع ترك الاستقبال- على نهاية البُعد؛ لمكان الاستقبال.


(١) "يُرخي دابته" يقال: أرخى الدابة، ولها: طول لها الحبل. " المعجم " والمراد هنا أنه أطلق حركتها، وتركها تسير.