للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧١٣ - فإذاً هذه الرخصة ثابتة في السفر الطويل، وهل تثبت في السفر القصير؟ فعلى قولين: أحدهما - أنه يختص بالسفر الطويل؛ فإنه تغيير ظاهر في الصلاة، وترك شرط استقبال القبلة، فهو حَريّ بأن يُشبَّه بالقصر وغيره من خصائص السفر الطويل.

والقول الثاني أنه يجري في السفر القصير والطويل؛ فإن الأخبار والآثار مطلقة فيه، لا اختصاص لها بالطويل. والمعنى الذي أشرنا إليه يعمّ السفرين أيضاً؛ فإن احتياجَ الناس إلى الأسفار القصيرة يكثر كثرةَ الاحتياج إلى الأسفار الطويلة.

فإن قلنا: إنها تجري فَي الأسفار القصيرة، [فهل] (١) يجوز لمن يتقلَّب في البلدة -وهو مقيم- أن يتنفَّل راكباً وماشياً؟ ما ذهب إليه الأئمة -وهو النص (٢) الباتّ للشافعي- منعُ المقيم من ذلك؛ فإنّ تَرْكَ الاستقبال، وإكثارَ الأفعال في الصلاة من التغييرات الظاهرة، وهي بعيد عن حال المقيم.

وذهب أبو سعيد الإصطخري إلى تجويز ذلك، وكان يتنفّل على دابّته، ويتردد في حارات بغداد.

وحكى شيخي عن القفّال أنه كان يقول: "إن كان المتنفّل في الإقامة مستقبلَ القبلة في جميع صلاته، جاز، وإن استدبر في بعض صلاته، لم يجز".

٧١٤ - ولا يَبين الغرض في ذلك إلاّ بأمرٍ سنذكره، فنقول: المتنفل لو صلّى قاعداً -مع القدرة على القيام- جاز مقيما؛ فتركُ القيام ممّا يسُوغ؛ مع الإتيان ببقية الأركان.

ولو تنفّل الرجل مضطجعاً -مع القدرة- وكان يومىء بالركوع والسجود، فظاهر المذهب المنع؛ فإنّ جواز ترك القيام في حكم الرخصة التي لا يُقاس عليها.


(١) في النسخ الأربع: (فهو). والمثبت تقدير منا، نرجو أن يكون صواباً. (الحمد لله صدقتنا (ل)).
(٢) ر. الأم: ١/ ٨٤. حيث يقول: "ولا يكون للراكب في مصير أن يصلي نافلة إلا كما يصلي المكتوبة إلى قبلة وعلى الأرض، وما تجزيه الصلاة عليه في المكتوبة؛ لأن أصل فرض المصلين سواء إلا حيث دل كتاب الله تعالى، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رخص لهم" ا. هـ بنصه.