للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال شيخي: هذا يمكن أن يحمل على تنزيه الحرمين عن نقل جيف الكفار، حتى إذا كان نقل الرؤوس ناجعاً في الكفار، فهو ضربٌ من التنكيل، لو رآه الإمام، لم يكن في تجويزه مع نفي الكراهية بأسٌ.

فرع:

١١٤٢٩ - إذا حاصر صاحب الراية قلعة، فرضُوا بأن ينزلهم على حكم رجل عيّنوه، فيجوز للإمام أن ينزلهم على حكمه إذا كان أميناً عدلاً.

قال العراقيون: ينبغي أن يكون مجتهداً، وما أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي، فإن عَنَوْا بالاجتهاد التهدِّي إلى طلب الصلاح والنظر للمسملمين، فهذا لا بد منه، وإن أرادوا استجماع شرائط الفتوى، فهو غلط غير معتدٍّ به، والأصل في ذلك ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تنزيل بني قريظة على حكم سعد بن معاذ في قصة مشهورة (١).

ثم إذا حكم المحكّم بالقتل وسبي الذرّية، فللإمام أن يمن عليهم، ويفاديهم، ولا يتعين على الإمام قتلُهم، نعم لو حكم المحكَّم بالمن، فلا يقتلهم الإمام، وإذا حكم بالقتل، فله المن. وتعليل ذلك بيّن، ولو حكم عليهم بالجزية، فإن قبلوها، اتبعها الإمام، وفاء بالرضا بحكمه، ولو رأى أن يمن، فلا حرج عليه، وبالجملة: إن الإمام لا يزيد على حكم المحكَّم ومقتضاه، وإن أراد التجاوز والتساهل، ورأى ذلك وجه الصلاح، فلا يُعتَرضُ عليه.

ولو حكم المحكّم بالجزية، فهل يلزمهم الرضا بحكمه، والتزام الجزية؟ ذكر ابن سريج وجهين فيما حكاه العراقيون: أحدهما - يلزمهم وفاءً بتحكيمه والنزول على رأيه.

والثاني - لا يلزمهم.

فإن ألزمناهم، فليس معناه أنا نوجب عليهم أن يلتزموا، ولكنا نقضي بأن الجزية


(١) حديث تنزيل بني قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (البخاري: المغازي، باب مرجع النبي من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة ح ٤١٢١. مسلم: الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد، ح ١٧٦٨).