للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منعوا من الاعادة؛ فإن الإعادة ظاهرة، فإذا لم يكن من الانهدام بد، فلا وجه إلا أن يبنوا جداراً داخل البيعة، ثم قد يفضي هذا إلى أن يبنوا جداراً ثالثاً إذا ارتج الثاني، وهكذا إلى أن تفنى ساحة البيعة، وهذا إفراط لا حاصل له، ولست أدري ما يقول هذا القائل إذا أمكن نقض الجدار وإعادته ليلاً، ولا تفريع على الضعيف.

فإن فرعنا على الصحيح وجوزنا العمارة إعلاناً، فلو انهدمت الكنيسة، فهل يجوز إعادتها كما كانت؟ فيه وجهان مشهوران: أحدهما - المنع؛ لأن هذا استحداث كنيسة. والثاني - الجواز؛ لأنها وإن انهدمت فالعرصة كنيسة، والتحويط عليها هو الرأي حتى يستتروا بكفرهم، فإن منعنا إعادة الكنيسة، فلا كلام، وإن جوزنا إعادتها، فهل لهم أن يزيدوا في خِطتها؟ فعلى وجهين: أصحهما - المنع؛ لأن الزائد كنيسة جديدة، [وإن كانت متصلة بالأولى والتفريع فيه إذا كان لا يجوز لهم استحداث كنيسة جديدة] (١).

وإن بقيناهم على كنيستهم، فالمذهب أنا نمنعهم من ضرب النواقيس، فإن هذا بمثابة إظهار الخمور والخنازير، وأبعد بعض الأصحاب فقال: يجوز تمكينهم من ضرب النواقيس؛ فإنها من أحكام الكنيسة، وهذا غلط لا يعتد به.

ولو وقع الشرط على أن تكون رقاب الأبنية في البلدة وعرصاتها لهم، فلا يمنعون من ضرب النواقيس، وإظهار الخمور والخنازير في مثل هذه البلدة؛ فإنها بحكمهم، ولو كان يخالطهم المسلمون، لم يكن لهم أن يعترضوا عليهم، والبلدة في الجملة والتفصيل بمثابة دار الذمي في بلاد الإسلام، ولا يخفى أنه لا يجب البحث -بل لا يجوز- عما يتعاطَوْن في دورهم، قال صاحب التقريب: لا يكلفون الغيار في البلدة التي وصفناها، والأمر على ما قال، وقد فُتحت قرى الشام صلحاً على أن تكون لأهلها، فكانوا يظهرون النواقيس في زمن معاوية وجرت له قصة مشهورة.


(١) زيادة من (هـ ٤).