للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدور من جوانبها، وكانت لمسلم، فالذي رأيته متفقاً عليه للأصحاب أنه لا يمنع من سكون الدار التي اشتراها، ولا يكلف أن يحط من سمت أبنيتها، بل يتركها كما اشتراها، ويسكنها، والذي ذكرناه فيه إذا كانت دار الكافر بقرب دار أو دورٍ للمسلمين.

فأما إذا كان للذمي دار في طرف البلد لا تجاور أبنية المسلمين، فالذي قطع به الصيدلاني أنه لا يمنع الكافر من إطالة سَمْك (١) هذه الدار " فإن المطاولة هي المحرمة، وهذا المعنى إنما يتحقق في الدور المجاورة.

وقال أيضاً: لو كان للكفار حارة مخصوصة بهم لا يخالطهم فيها مسلم، فإذا أراد الكفار إطالة أبنيتهم في حارتهم، فلا يمنعون، وما ذكروه فيه إذا لم تكن (٢) الحارة مجاورة للحارات، بل منفردة لا تجاور سائر المحال.

وحاصل ما ذكره أن الممنوع معنى المطاولة، وهو من قولهم: طاولته، فطلته، وإنما يتحقق ذلك عند فرض تناسب، ومن ضرورته أن يكون بين بنائه وبناء المسلم تقارب، وأطلق بعض الأصحاب المنعَ عن تطويل البناء، وليس له وجه يرتضى، فلا يحمل إطلاق من أطلق إلا على الغفلة عن التفصيل الذي ذكره الصيدلاني.

فإن اعتقد معتقِد تعميمَ المنع، فالممكن في تقريبه وتوجيهه أن الكافر إذا أظهر في تطويله البناء ما يبين منه التميّزُ بالخيلاء والسرف في الزينة والمسكن، فيمنع كما يمنع من مساواة المسلمين في ركوب الخيل واتخاذ السُّرُج والمراكب النفيسة، وهذا أصلٌ لا بأس به، ولكن لا ينبغي أن يلتزم صاحبه تقصير شأنه عن أقصر بنيان في البلدة، ولكن الممكن فيه أن يُمنع من إظهار الزينة بالإطالة، ولا يخفى درك ذلك.

ويبقى مع هذا الفرق بين المجاورة والانفراد، فإذا جاور دار مسلم أُمر برعاية مناسبة تلك الدار والانحطاط عنها، والاكتفاءِ بمساواتها، لظهور المطاولة، عند المجاورة، وهذا لا يراعى مع الانفراد.


(١) السَّمك بفتح السين: البعد الثالث بعد الطول والعرض، وُيعنى به الارتفاع. (معجم).
(٢) هـ ٤: " إذا كانت ".