للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن لم يمنع التأقيتَ، لم يمنع هذا، ومن منع التأقيتَ على صيغة إعلام الوقت اختلفوا في هذا، وسبب الاختلاف ما روي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل الكتاب في جزيرة العرب: أقركم ما أقرّكم الله " (١) والوجه منعُ هذا منا إذا منعنا التأقيت، وحملُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على توقع النسخ، وكانت جملة الأحكام القابلة للنسخ في زمنه على التردد من جهة إمكان النسخ، وهذا لا يتحقق من غيره.

ولو قال في عقد الذمة: أقركم ما شئتم، فهذا جائز لا منع فيه؛ فإنه مقتضى العقد؛ فلأهل الذمة المشيئة في نبذ العهد إلينا متى شاؤوا، فالتفويض إلى مشيئتهم تصريحٌ بموجب العقد.

١١٤٨١ - ولو عقد الإمام لهم الذمة، ثم رابه منهم أمر لو ظهر في الابتداء، لما عقد الذمةَ، ولكن لم يتحقق، فهل له أن ينبذ العهد إليهم والحالة هذه؟ ذكر المحققون وجهين: أحدهما - أنه يجوز بل يجب كما تجب رعاية ذلك في الابتداء.

والثاني - لا يجوز؛ فإن الذمة إذا لزمت، بَعُدَ [أن] (٢) نجوّز الهجوم على نقضها من غير ثبت.

وهذا عندي فيه إذا كان الأمر المحذور مما يمكن تداركه، فأما إذا كان يتوقع أمر يعظم أثره، ويخاف منه ما يبعد تداركه، فيجب القطع بنبذ العهد إليهم في الدوام، وهذا بيّن في حكم الإيالة.

١١٤٨٢ - ولو عقد الإمام ذمةً على الفساد وذكر الجزية، فمن مقتضى الفساد في الذمة ما قدمناه من أنه لا يلزمه الوفاء، قال الأئمة: إذا لم يصح عقد الذمة، فلا تثبت الذمة المسمّاة، وإنما الرجوع إلى دينار على كل حالم في السنة، حتى لو بقوا على


(١) حديث " أقرّكم ما أقرَّكم الله " رواه البخاري من حديث ابن عمر، ومالك في الموطأ عن ابن المسيب (ر. البخاري: الحرث والمزارعة، باب إذا قال رب الأرض: أقرك ما أقرك الله، ح ٢٣٣٨. وكتاب الشروط، باب إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجتك، ح ٢٧٣٠.
الموطأ: ٢/ ٧٠٣. التلخيص ٤/ ٢٢٥ ح ٢٣٠٢).
(٢) زيادة اقتضاها السياق حيث سقطت من النسختين.