للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإني لم أر لليمامة ذكراً، وهي من الجزيرة باتفاق الأصحاب، ولا شك أن خيبر من الجزيرة، ومنها الإجلاء في زمن عمر وهي من مخاليف المدينة.

وأما أهل العراق فقد قالوا: الحجاز: مكة، والمدينة، واليمن. والحجاز من الجزيرة، وجزيرة البحر تمتد إلى أطراف العراق من جانب، وأطراف الشام من جانب، وسميت هذه الرقعة المتسعة جزيرة لإطافة البحر بمعظم جوانبها واتصالها بالأنهار العظيمة كدجلة والفرات من جانب العراق، فكأنها مكفوفة عن البقاع بالمياه، ثم قالوا: والحجاز من جملة الجزيرة، ومعناه ما ذكرناه.

وكان شيخي يقول: " الحجاز والجزيرة واحد، والذي نقل في الأخبار: " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب " ولم يتعرض صلى الله عليه وسلم في اللفظ للحجاز " (١).

وهذا تردد في اللفظ، والذي يدخل تحت الضبط ما نصفه (٢): فلا خلاف بين الأصحاب أن الموضع الذي يمنع الكفار من الإقامة فيه لا ينتهي إلى أطراف العراق والشام، سواء سمّي جزيرةً أو لم يسمّ، وإنما المواضع التي يُنهى الكفار عن المقام


=قلت: وفي كلام ابن الصلاح تحامل واضح، غير غريب، بل هو معهود منه في حق إمام الحرمين؛ وذلك أن التصحيف يكون عند عجز الناسخ عن قراءة الكلمة، فيرسمها كما يتخيلها، أو كما يسبق ذهنه إليها، والكلمات المصحفةُ الشأنُ فيها أنها غير مقروءة، لا بعربية، ولا بعجمة.
بل إن إمام الحرمين علل لتغليب وقوع التصحيف تعليلاً جيداً، وذلك قوله: " فإني لم أر لليمامة ذكراً في الكتاب (التقريب) وهي من الجزيرة باتفاق الأصحاب " ا. هـ فإذا لم يذكر صاحب التقريب " اليمامة " المتفق عليها وذكر (التهامة) أليس ذلك يغلب على الظن أن الناسخ رسم الياء والميم تاءً وهاء، ولم يعنِّ نفسه بالنظر إلى (الألف واللام) تدخل أو لا تدخل، وربما كان في الناسخ عجمة ساعدته على الوهم والتصحيف. أليس ما توقعه الإمام " وغلب على ظنه من التصحيف " أقرب من أن يحمل الخطأ والنسيان على الإمام الجليل صاحب التقريب؟! ولكنه تحامل ابن الصلاح على إمام الحرمين، كما رأينا مظهره في مسائل أخرى من قبل.
(١) إلى هنا انتهى كلام شيخه أبي محمد.
(٢) بعد أن عرض إمام الحرمين -كدأبه في كل مسألة- ما قاله الأصحاب، وكل ما روي عنهم يبدأ من هنا في مناقشة ما قيل، ويبين اختياره هو.