(٢) مرة أخرى -وفي المسألة نفسها- نجد تحامل ابن الصلاح واضحاً على الإمام، فقد قال بعد أن علق على كلام الغزالي وإمام الحرمين في بيان المواضع التي يمنع أهل الذمة من الإقامة فيها، قال: وإنما أطلت في هذا الفصل بعض الإطالة؛ لإشكاله على الفقيه المجرد، ولأن كلام إمام الحرمين فيه اختلّ، ولم يستدّ على جاري عادته، والله سبحانه المسؤول أعلم " ا. هـ. ومن يقرأ كلام ابن الصلاح هذا الذي أطال فيه يجده " موشحاً " بسخرية من الإمام، ظالماً إياه محملاً له تبعة ما لم يقله، وإنما نقله عن غيره وأسنده له صراحة، فاسمعه يقول: " وفيما ذكره ذهابٌ منه إلى أن الحجاز وجزيرة العرب واحد، وقد ذكره شيخه (يعني ذكره الغزالي عن إمام الحرمين) وغيره من المراوزة، وليس بشيء، والصحيح المعروف الشائع بين العلماء أن الحجاز غير جزيرة العرب، فالحجاز عبارة عن مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها، نص عليه الشافعي ومن لا نحصيه من أصحابه " ا. هـ يعني أن إمام الحرمين يجهل الصحيحَ المعروف الشائع بين العلماء، والذي نص عليه الشافعي ومن لا يُحصى من أصحابه. وهذا كلام إمام الحرمين بين يديك، فهل قال إن الحجاز وجزيرة العرب واحد؟ إن إمام الحرمين -كما ترى- ْنقل هذا الكلام وردّه، ولم يقل به، ثم إن من قال هذا لا يقصد أن جزيرة العرب والحجاز شيء واحد في أصل الوضع والتسمية، وإنما يقصد أن المراد بجزيرة العرب في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحجاز، وهذا ما فاله ابن الصلاح نفسه، إذ قال: " إذا ثبت هذا، فالمراد بجزيرة العرب -في الأحاديث الواردة في إخراج أهل الذمة- بعضُ الجزيرة، وهو الحجاز " ا. هـ بنصه، فليتأمل. (ر. مشكل الوسيط: ٢/ورقة: ١٣١/ب، ١/ ١٣٢/أوذلك بهامش الوسيط: ٧/ ٦٧). (٣) زيادة من (هـ ٤).