للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أصحابنا من لم يلحق الطرق بالحجاز، وهذا قد يخرج على اعتياد مجتمع العرب؛ فإن الطرق ليست مجتمع العرب، وإنما هي جادّتهم، ومحل طروقهم، وقد انتجز الغرض في بيان الحجاز الذي يمنع الكفار من المقام فيه.

١١٤٨٨ - ثم نأخذ بعد هذا في فن آخر قائلين: الحجاز ينقسم إلى حرم مكة [وغيره] (١)، فأما حرم مكة، فيمنع الكفار من دخوله وتخطيه، وإن قصدوا التجاوز، والانتقال (٢)، حتى قال الأئمة: لو وفد رسولٌ، لم يجز أن يؤذن له في دخول الحرم، وإن كان يجوز أن يؤذن للكفار في دخول مساجد البلاد، بل يخرج الوالي إليه، أو يخرج إليه من يوثق به، وكذلك إن أتى مستجيرٌ يستمع الذكر، فسبيله كسبيل الرسول.

والمعتمد فيما ذكرناه قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٢٨]، والمراد إن خفتم انقطاع التجاير (٣) عنكم، وخفتم لأجل ذلك عَيْلة، فاطردوهم واعتصموا بفضل الله تعالى، ثم لا يختص المنع بخِطة مكة، بل يتعلق بالحرم وفاقاً، وحرم المدينة ليس في معنى حرم مكة، وإن كنا قد نلحقه بحرم مكة في الصيود والمنع من عضد الأشجار، فسبيل المدينة كسبيل اليمامة في المقصود الذي نحن فيه.

فأما ما عدا حرم مكة، فلا يمتنع فيه على الكفار طروقها على هيئة الانتقال، ويحرم عليهم الإقامة، ولا يمتنع أن يؤذن لهم في دخولها مجتازين، وإن مكثوا في قرية أو بلدة، فلا يزيدنّ مكثُهم على مكث المسافرين، وهو ثلاثة أيام، من غير احتساب يوم الدخول ويوم الخروج، ولو كانوا يتناقلون من بقعة إلى بقعة ولو قيست أيام تردُّدهم، لزادت على مقام المسافرين، فلا بأس؛ فإن خِطة الحجاز لا يمكن قطعها بثلاثة أيام، حتى قال الصيدلاني وغيره: لا نكلفهم أن يجروا في انتقالهم على


(١) في الأصل: " وغيرها ".
(٢) هـ ٤: " وإن قصدوا التجارة، ولم يرد الانتقال ". (وهو خلل واضح).
(٣) التجاير: التجارات.