للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس على المستجير بذلُ مال، كما قدمناه. ولو جاء كافر، وطلب أن نعقد له الذمة ونُلزمه الجزية، ففي بعض التصانيف أن الإمام يلزمه أن يجيبه، وفيه وجه آخر أنه لا يلزمه، ولكن ينظر إلى الأصلح، وهذا فيه إذا كان لا يظن ضرراً، وقد أجرى هذا المصنف طلب الذمة وطلب المهادنة، ثم قال: المذهب أن الإجابة إلى الهدنة لا تجب، وفيه وجه أنها تجب. وإذا طلب الكافر الذمة، فالمذهب أنه تجب إجابته، وفي المسألة وجه أنه لا تجب إجابته.

وما ذكره في الأمرين جميعاً ليس على وجهه، فالوجه القطع بوجوب الإجابة إلى الذمة، إلا أن يفرض [ضرر] (١) متحقق أو مظنون. وقد ذكرتُ هذا. ومن قال: لا تجب إجابة الكافر إلى عقد الذمة، فقد رد أصلاً عرفه فقهاؤنا متفقاً عليه، وذُكر وجه في إيجاب الإجابة إلى الهدنة، وهذا في الفساد كالوجه المحكي في أن الذمة لا تجب.

فإن قيل: ألستم ذكرتم في فصل تعشير أموال الكفار أنهم لا يمكنون من دخول دار الإسلام إلا بشيء يؤخذ منهم، ثم جوزتم الانكفاف عن الكفار من غير شيء؟ قلنا: ما نضربه على من يدخل منهم دارنا في مقابلة تخطّيهم خِطة الإسلام، واختلاطهم بالمسلمين، والمهادنة معناها تقرير الكفار في ديارهم، وكف القتال عنهم، فلا يبعد أن يطالَبوا بمالٍ على ترك مقاتلتهم مدة معلومة، قدمنا وصفها، ومقدارها.

فهذا الذي ذكرناه أصول (٢) في باب المهادنة.

١١٥٠٧ - ونحن بعدها نخوض في مسائل من الهدنة، هي مقصود الباب، ونقدم عليها طرفاً من المهادنة التي جرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تمس الحاجة إليه في المسائل:

لما صُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيلَ بنَ عمرو، وكان رسولاً من أهل مكة، ثم أجرى رسول الله صلى الله


(١) في النسختين: ظن. والمثبت من المحقق
(٢) هـ ٤: " فصول ".