للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم في الهدنة أن من جاء إلى الكفار منا، فسحقاً سحقاً، لا نسترده، ومن جاءنا من الكفار، رددناه، هكذا جرت المهادنة وهي قصة معروفة.

ثم رُوي أن المهادنة، لما انعقدت جاء أبو جندل بنُ سُهيل مسلماً، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيه، فولّى معه باكياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يجعل لك مخلصاً، قال عمرُ: فأخذ سهيلُ ابنَه أبا جندل، واستمسك بيساره، فأخذت بيمينه وأشرت إلى سيفي، حتى ضربت كفّه بقائمته، وقلت: لا تبال -تحريضًا على قتله- فإن دم الكافر عند الله كدم الكلب، قال: كنت أُعرّض له بقتل أبيه، فعرف مرادي، وتبسم في وجهي وضنّ بأبيه، ولم يقتله.

ثم ورد أبو بصير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منصرفه إلى المدينة فجاء في طلبه رجلان، فردّه عليهما، فلما أدبرا به راجعين قال صلى الله عليه وسلم: " مِسعرُ حربٍ لو وجد أعواناً " يُعرِّض له ألا يرجع إن أمكنه، فلما كان ببعض الطريق قتل أبو بصير صاحبيه، وانضم إليه ممّن كان يريد الالتحاق بالمسلمين جمعٌ، ثم دخل المدينة في جماعة شاكين في السلاح، ثم هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط مسلمة، فنزل قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: ١٠]، فامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ردّها. هذا ما جرى والقصة طويلة " (١)، ونحن نقلنا منها ما تمس الحاجة إلى نقله في مسائل الباب.

١١٥٠٨ - والآن إن اتفقت مهادنة، فيجوز شرط رد الرجال عليهم على الجملة، ولا يجوز شرط رد النساء عليهم إذا جئن مسلمات مهاجرات.

ومما يجب تقديمه على الخوض في المسائل أن أصحابنا اختلفوا في أن النسوة هل


(١) قصة صلح الحديبية رواها البخاري في حديثٍ طويل عن المِسْوَر بنِ مَخْرَمة، ومروانَ، (البخاري: الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، ح ٢٧٣١، ٢٧٣٢).
هذا وليس في رواية البخاري قول عمر " ... فإن دم الكافر عند الله كدم الكلب " وإنما ورد هذا في رواية الإمام أحمد في مسنده من حديث المسور (المسند: ٤/ ٢٢٣، ٣٢٦). وانظر التلخيص: ٤/ ٢٤١ ح ٢٣٤١.