اندرجن تحت عقد المهادنة إذ أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: من جاءنا، فهو مردود عليكم؟ فمن أصحابنا من قال: دخلن تحت العقد، واقتضى موجبُه ردَّ النساء، ثم نسخ ذلك بآية المهاجرات المؤمنات، ثم ذكر الفقهاء في هذا المقام طرفاً من نسخ الكتاب بالسنة، ونسخ السنة بالكتاب، واختبطوا فيه على غير بصيرة، ولسنا له؛ فإن مقدار غرضنا التردد في أنهن هل دخلن؟
وقال قائلون: ما دخلت النسوة في مطلق العقد في حكم الرّد، وكان قوله صلى الله عليه وسلم:" من جاءنا " عامّاً، والمراد به الرجال، ثم تبين بنزول آية المهاجرات تخصيص ذلك اللفظ العام بالرجال، ثم من سلك هذا المسلك اختلفوا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل علم أنهن مستثنيات حالة إطلاق اللفظ، أو لم يعلم ذلك ثم تبيّنه عند نزول الآية؟ فقال قائلون: كان عالماً بأنهن غيرُ داخلات، ولكن لم يتعرض لذكرهن، وذكر لفظاً عاماً، ورأى في ذلك استصلاحاً. وقال قائلون: ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن غير داخلات حتى عرّفه الله تعالى.
وهذا كلام مضطرب؛ فإن صاحب اللفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف ينتظم أن يقال: لم يعرف معنى لفظ نفسه حتى نزلت آية المهاجرات؟ والممكن في ذلك أن يقال: لم يخطر له التخصيص وتحقيق التعميم، وهذا لا يشفي الغليل، فالوجه أن يقال: أُمر بأن يقول قولاً، ولم يعرف معناه؛ فما كان صلى الله عليه وسلم مستقِلاً بإنشاء ذلك القول حتى يتّجه السؤال الذي ذكرناه، وهذه مقدمات اضطرب الأصحاب فيها، ونحن رأينا أن نذكر منها قدر الحاجة.
١١٥٠٩ - والآن قد حان أن نخوض في المسائل، فنقول: أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يرد المسلمات، وأوجب عليه أن يغرم لأزواجهن ما أنفقوا، وأجمع العلماء على أن المراد بما أنفقوا ما ساقوا من مهور النساء. هذا حكم الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو جرت منا مهادنة، ثم امتنعنا من ردّ النسوان تأسّياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يجب علينا أن نغرم ما ساقه الأزواج من المهور، كما كان يجب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فعلى قولين: أحدهما -