للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرُفعت القصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبي العُشَرَاء (١): " وأبيك لو طعنت في خاصرتها، لحلّت لك " (٢) ثم ما ذهب إليه المحققون، وهو اختيار القفال أنه لا بد من جرح مُذفِّف، وينزل منزلة قطع الحلقوم والمريء في الحيوان المقدور عليه، وليس يخفى أن قطعهما لا يعقب حياة معتبرة، فليكن الجرح بمثابة قطعهما.

ومن أصحابنا من قال: يكفي الجرح المدمي الذي يجوز وقوع القتل به. وهذا القائل يستمسك بظاهر الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وأبيك لو طعنت في فخذها، لأجزأتك " ولم يفصل بين طعن وطعن، والقائل الأول ينفصل عن هذا، ويقول ذِكْر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة (٣) يدل على اعتبار التذفيف؛ فإن الخاصرة مقتل.


(١) كذا في النسخ الثلاث جعل إمام الحرمين المخاطَب أبا العشراء، وهو وهم نبّه إليه الحافظ في التلخيص قائلاً في تنبيه له حول هذا الحديث: " وقع لإمام الحرمين وهمٌ؛ فإنه جعل المخاطب بذلك أبا العشراء الدارمي (والحديث لا يعرف إلا عن أبي العشراء عن أبيه) ثم قال الحافظ: ويجوز أن يكون ذلك من النساخ، كأن يكون سقط من النسخة " عن أبيه " ا. هـ (ر. التلخيص: ٤/ ١٤٨) طبعة الكليات الأزهرية ".
قلت- عبد العظيم: وهذا عجيب من الحافظ، فقد وقع لإمام الحرمين أوهام دون ذلك فكان يعنف بسببها على الإمام، ويستخدم أقسى الألفاظ وأعنفها، مع أن الحمل على خلل النساخ كان فيها أشد ظهوراً، مثلما وقع في نسبة أم سليم أم أنس حين جاء في إحدى النسخ من كتابنا هذا أنها جدة أنس، فأغلظ الحافظ للإمام الإغلاظ كله هناك ولم يحملها على خطأ الناسخ -مع أنها كانت كذلك- كما فعل هنا. وسبحان علام الغيوب الذي يحيط وحده بأسرار القلوب.
(٢) الحديث أخرجه أصحاب السنن وأحمد من حديث حماد بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه، وقد ضعفه الألباني (ر. أبو داود: الأضاحي، باب ما جاء في ذبيحة المتردية، ح ٢٨٢٥، الترمذي: الأطعمة، باب ما جاء في الزكاة في الحلق واللبة، ح ١٤٨١، النسائي: الضحايا، باب المتردية في البئر التي لا يوصل إلى حلقها، ح ٤٤٠٨، ابن ماجه: الذبائح، باب ذكاة النادّ من البهائم، ح ٣١٨٤، المسند: ٤/ ٣٣٤، التلخيص ٤/ ١٤٨، الإرواء: ٨/ ١٦٨ ح ٢٥٣٥).
(٣) تعقب ابنُ الصلاح الغزالي في الوسيط، وأنكر عليه لفظ الخاصرة، فتعقب الحافظ ابن الصلاح، فقال: (أنكر ابن الصلاح لفظ الخاصرة على الغزالي، والغزالي تبع فيه إمامه، ولا إنكار؛ فقد رواه الحافظ أبو موسى في مسند أبي العشراء له بلفظه: لو طعنت في فخذها أو=