للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا فيه نظر عندي؛ فإن اعتماد الاجتهاد بمكة، مع بناء الأمر ابتداءً على عيانٍ، بعيد، فلينظر الناظر في ذلك مستعيناً بالله تعالى. والذي ذكرناه في قسم انتفاء الاجتهاد، والقدرة على درك اليقين.

٧٣٨ - ومما يتصل بهذا القسم أن من كان بالمدينة وكان يعاين محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه، فلا اجتهاد له، فإنَّ استداد موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم [مقطوع به، ولا اجتهاد مع إمكان درك اليقين، فلو أراد ذو بصيرة أن يتيامن أو يتياسر عن صوب محراب المصطفى صلى الله عليه وسلم] (١)، لم يكن له ذلك، والذي تخيله زلل، فلا اجتهاد إذاً جملةً وتفصيلاً.

ولو دخل بلدةً أو قرية مطروقة فيها محراب متفق عليه، لم يشتهر فيه مطعن، فلا اجتهاد له؛ مع وجدان ذلك؛ فإنه فى حكم اليقين، ولو أراد ذو بصيرة أن يتيامن بالاجتهاد قليلاً، أو يتياسر، فظاهر المذهب أنه يسوغ ذلك.

وسمعت شيخي يحكي فيه وجهاً - أنه لا يجوز؛ كما ذكرناه في مبهة والمدينة.

ومن قال: يتيامن أو يتياسر، يلزمه أن يقول: حق على من يرجع إلى بصيرة إذا دخل بلدة أن يجتهد في صوب القبلة، فقد يلوح له أن التيامن وجه الصواب، وهذا (٢) إن ارتكبه مرتكب، ففيه بُعد ظاهر، والعلم عند الله.

وتفصيل القول في التيامن والتياسر -مع اعتقاد اتحاد الجهة- يَبين بأمرٍ نذكره بعد ذلك في فصول الاجتهاد. إن شاء الله تعالى.

وهذا منتهى القول في أحد القسمين.


(١) ساقط من الأصل، ومن (ط).
(٢) "وهذا إن ارتكبه مرتكب" الإشارة هنا إلى القول بوجوب الاجتهاد في القبلة على ذي البصيرة إذا دخل بلداً، لا على فعل التيامن أو التياسر عن قبلة البلد.
والارتكاب كما يفهم من السياق -هنا وفي مواطن أخرى- معناه أن يدفع المناظرَ حب الغلبة إلى التمادي؛ حتى يقول بقولِ بعيدٍ عن المنطق والصواب، وعندها يسمَى (مرتكباً).
هذا ولما أصل إلى (الارتكاب) بين مصطلحات الجدل والمناظرة، على كثرة ما راجعت من المؤلفات في هذا الشأن.