للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧٣٧ - ومما يتعلق بتمام ذلك أن العراقيين حَكَوْا نصّين ظاهرهما الاختلاف في المكي إذا لم يعاين الكعبة، فنقلوا أنه قال في موضع: "من سهل عليه معاينة الكعبة في صلاته على سهل، أو جبل، تعيّن ذلك عليه".

ونقلوا أنه قال: "من كان في مكة في مكان لا يرى منه البيت، لم يجز له أن يترك الاجتهادَ بكل ما يستدل به على الكعبة" ثم قالوا: والنصّان منزّلان على اختلاف حالين، فمن يكون موقفه بحيث تبدو منه الكعبة على [يُسرٍ] (١) وسهولة، فتتعين معاينة الكعبة.

وحيث يكون بينه وبين الكعبة حائل من جدار، أو جبل، أو غيرهما، فلا نكلفه المعاينة.

فظاهر كلامهم اشتراط العيان عند الإمكان، حتى قالوا: لو بنى حائلاً حاجزاً بين موقفه وبين الكعبة، حتى عسرت عليه المعاينة -من غير ضرورة وحاجة- فلا تصح صلاته؛ لتفريطه في ذلك.

وهذا كلام فيه إخلال، والذي أراه أن الرجل إذا سوَّى محراباً على العيان، ثم أثبت حاجزاً، فلا بأس، فإنه إذا وقف نقطع بأنه وقف موقفاً يسمى فيه مستقبلاً. وقد ذكرنا أنه لا يعتبر عند الاستئخار من جِرم الكعبة حقيقةُ المحاذاة والمسامتة، وإنما يكتفى بحصول اسم الاستقبال، فالعيان مرعيٌّ ليسوَّى بحسبه محراب عند الإمكان.

فأما إذا وقف في عرصة داره بمكة، فلا بأس، ولكن إن سوى محرابها بناءً على العيان في أول البناء، فهو خارج على ما ذكرناه، وإن بنى المحرابَ في البناء على الأدلة، ولم يعتن بالعيان في ابتداء الأمر، أو وقف واقف في بيتٍ من دارٍ لا محراب فيه، واعتمد فيه الأدلة، فظاهر ما نقله العراقيون جواز ذلك، وأنه لا يكلف الترقي إلى سطح الدار مع إمكان العيان فيه، وأطلقوا جواز الاجتهاد في هذه الصورة، واعتمدوا فيه ما صادفوا عليه أهل مكة وهم يصلون في عرصات الدور، وكذلك استفاض ذلك من الأوّلين.


(١) في الأصل كما في (ت ١) نشز.