للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولو بلع سمكة حية، فالمذهب أنها حلال. ومن أصحابنا من حرم ذلك، وجعل الموت في السمكة بمثابة الذكاة في الذكية من الحيوانات البرية، وإذا بان أنا لا نحرمها وهي حية، فإن مست حاجة إلى بلعها، فلا حرج، وإن لم تكن حاجة فبلعها حية، فهو من تعذيب الحيوان، فالأصح منع ذلك، ومن أصحابنا من أحلّه، ولم يجعل لحياة السمك حكماً، وكأنها ميتة في نفسها.

واختلف أئمتنا في نجاسة خُرئها ودمها، وسبب الاختلاف تمييز السمكة عن الحيوانات لحل ميتتها.

هذا قولنا في السمك.

١١٥٨٦ - فأما ما عدا السمك من حيوانات البحر، فللشافعي أولاً قول غريب: أن شيئاً منها لا يحل، إذا كان اسم السمك لا يتناولها، وهذا قول غريب ضعيف، في حكم المرجوع عنه، ولا نرجع إليه، والمذهب [أنها تحلّ] (١) على تفصيلٍ نذكره في حيوانات البحر سوى السمك.

ثم الترتيب المرتضى فيه أنها منقسمة إلى ماله نظير في البر، وإلى ما لا نظير له: فإن لم يكن له نظير في البر لا مما يحل ولا مما يحرم، فهوحلال في نفسه، ويشهد له أن طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قفلوا من بعض الغزوات، فأصابهم المجاعة، واشتد بهم الأمر، وكانوا يأكلون الخَبَط (٢)، حتى تقرّحت أشداقهم، وكانوا على سِيف البحر، فلفظ البحر حيواناً عظيماً يُسمى العنبر، فأكلوا منه زمناً، وتَزَوَّدُوا منه، ثم قدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبروه، فلم يُنكر عليهم، وقال: " هلا حملتم لي منه " (٣) هذا في الحيوان الذي لا نظير له.


(١) في الأصل، و (ت ٦): " أنا نحيل ".
(٢) الخَبَط: أوراق الشجر، كانوا يخبطونها حتى تسقط، فإذا سقطت، فهي خَبَط، فَعَل بمعنى مفعول.
(٣) حديث الصحابة الذين أكلوا العنبر، فأقرّهم الرسول صلى الله عليه وسلم، متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه (البخاري: الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض، ح ٢٤٨٣. مسلم: الصيد والذبائح، باب في إباحة ميتات البحر، ح ١٩٣٥).