للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك؛ فإن الزيادة على الثمن لا تنضبط وقد يبيع -لو فتحنا هذا الباب- ما يساوي درهماً بألف أو أكثر.

ولو تمكن من سلب الطعام منه قهراً، فاشترى منه بالثمن الغالي، فالبيع صحيح، وإن لم يمكنه أن يقهره، فاشترى بالثمن الغالي، هل يكون مكرهاً، حتى لا يصح الشراء؟ فيه وجهان: أحدهما - أنه لا يكون مكرهاً، وهو الأقيس، لأنه لم يجر إكراه حقيقي على البيع، بل حَمَله على الإقدام عليه ضرورةٌ ناشئةٌ منه. والوجه الثاني- أنه مكره؛ لأنه لا محيص له من طلب الطعام، ولا وصول إليه إلا بالابتياع، فهو محمول عليه قهراً، والمصادَرُ إذا باع على الضرورة (١) لدفع الضرار الذي يناله، ففي صحة البيع الخلاف الذي ذكرناه.

وقد يظن الظان فرقاً من جهة أن الإرهاق على المصادَر من جهة مطالبة، والضرورة في المضطر ناشئة من جبلته، وهذا قد يوجب ترتيب مسألة على مسألة، ولكن صاحب الطعام بالامتناع عن البذل بثمن المثل في حكم المصادر، ومع هذا يبقى خيالُ الفرق.

١١٦٤٤ - ولو اضطر الإنسان، فأوجره صاحب الطعام طعامَه، فهل يستحق عليه قيمتَه، أم لا؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا يستحق؛ لأنه لم يوجد من الموجَر المضطر طلبٌ، ولا تناول. والوجه الثاني - أنه يرجع عليه بالقيمة، لأنه خلصه عن الهلاك، فصار كما لو عفا عن القصاص، وفي إثبات القيمة له تحريض على تدارك المضطرين، وفي إحباط طعامه منع لذلك.

١١٦٤٥ - فأما الكلام في المقدار الذي يتعاطاه المضطر من الميتة، فالوجه أن ننقل ما ذكره الأصحاب، ثم نجري على عادتنا في البحث، ذكر الأئمة ثلاثة أقوال في


(١) في (هـ ٤): " على المصادَرة " والمعنى: " أن المصادَر من جهة السلطان الظالم إذا باع ماله للضرورة، ولدفع الأذى الذي يناله في صحة هذا البيع الخلاف الذي في صحة شراء المضطر الطعام بأكثر من ثمنه، والأصح: صحة البيع؛ لأنه لا إكراه على البيع، ومقصود الظالم تحصيل المال من أي جهة كان " ا. هـ نقلا عن النووي بتصرفٍ يسير، حيث نقل كلام الإمام وزاده بسطا وإيضاحاً. (ر. الروضة: ٣/ ٢٨٧).