الموت وعلاماته، وربما لا يحصل الظن على هذا الوجه إلا لأفرادٍ يرجعون إلى حاصلٍ في الأَعْلال، وفي علامات الحال، وفيما يشير إليه من متوقّعات المآل، فما أرى الظن على هذا الوجه شرطاً، وبعد ذلك أمران يجب الإحاطة بهما: أحدهما - أن الظن قد يستند إلى مبادىء الأمور من غير بصيرة، فإذا فرض مثله، وجب القطع بجواز تعاطي الميتة، فإنَّ البصيرة في ذلك يختص بها خواص الناس، فلا نُهْلِك عوامهم بسبب الخلو عن البصيرة. هذا أحد الأمرين.
والثاني - أنَّ الظنّ من ضرورته أن يميل فيه العقد إلى أحد المعتقدَيْن، ويترجح تعلقه به على تعلقه بالثاني، وهذا يستدعي سبباً لا محالة؛ فإنَّ الظنَّ لا يغلب من غير سبب، فلو اعترض حال، وكان صاحبها يجوّز أداءها إلى الموت، إن لم يأكل الميتة، ويجوّز السلامة، ولم يترجح أحدُ المعتَقَدين على الثاني، فالتردد مع ما جبلت النفوس عليه من حب البقاء يجرّ خوفاً، وهذا الخوف لا مستند له من ظن، فالذي أراه القطع بأنه يجوز لمن هذا وصفه أن يأكل الميتة، وهذا شخص لم يعلم إفضاء ما به إلى الموت لو ترك الأكل، ولم يظن أيضاً، والرأي إطلاق الأكل له؛ فإنا لو منعناه من الأكل حتى يعلم أو يظن، فربّما يهلك في تربّصه، وطلبِه العلمَ أو الظن، ومحاماة الشرع على المُهَج عظيمة.
فإن طلب طالب تلقِّي هذا من قول المشايخ، فهو صريح في كلامهم، فإنهم جوّزوا أكل الميتة عند الخوف من الموت، وهذا خائف حقاً، والأكل منوط بالخوف، وقد ظهر اختلاف القول في أن من رأى سواداً فحسبه عدواً، وصلى صلاة الخوف، ثم تبيَّن له أن الأمر على خلاف ما ظنه، فهل يلزمه القضاء، والذي نحن فيه ليس من ذلك القبيل؛ فإن أثر البناء على حقيقة الحال في إيجاب قضاء الصلاة، ومثل هذا لا يفرض في المُهَج؛ فإنّها إذا فاتت، لم تستدرك، بل ما نحن فيه يناظر جواز الإقدام على الصلاة راكباً إذا ظهر الخوف، وذاك لا خلاف فيه، إنما الخلاف في وجوب القضاء، وإذا جوزنا الإقدام على أمر، ولم يكن بعده مستدرك، فليس إلَاّ الحكم بالإباحة.
فإذا تبيّن ما ذكرناه، فالإقدام في الابتداء موقوف على العلم، أو على الظن، أو