على الخوف؛ فإن انقطعت هذه الأسباب في دوام الأكل، فلا يجوز أن يكون في تحريم التّمادي خلاف.
١١٦٤٧ - وقد يطرأ وراء ذلك كلِّه أمرٌ آخر، وهو أن هذه الأسباب لو انقطعت، وكان الرجل في مهمهٍ لا يملك بما أكله قدميه، ولا يستقل في جَوْب البرّية، وهذا يجر خوفاً آخر؛ فإذا كان يخاف من البقاء في البرّية الهلاكَ من وجه من الوجوه، فليأخذ من الميتة ما يقوّيه على الخلاص من الهلاك، ولا يجوز أن يكون في ذلك خلاف، ولا يجوز أن يكون في هذا فرق بين الابتداء والدوام.
ولو لم يكن عليه في المقام خوف من جهة، ولكن علم أنه لو اقتصر على ما يزيل الخوف، لما استقل، وسيعود إلى الخوف، ثم يأكل على الحد الأول، ثم يعود كذلك، حتى يستنفد الميتة، ثم يضيع، ويهلك، فهذا يُحوج إلى مزيد تفصيل: فإن كان الحاضر من الميتة بحيث يزيل خوفه مرتين، ولا يقيم أودَه، ولا يُقلّه، ولو تعاطى جميعه، لاستقلّ ومضى، فلا يجوز أن يكون في هذه الصورة خلاف أيضاً، والوجه أن يستوعب ويستقلّ وينهض.
وإن كان الحاضر من الميتة بحيث يكفي لسد الرمق مراراً، ويفضل في الكرة الأخيرة ما يفيد الإقلال والاستقلال، وكان يخطر له معونة -على بعد- وطروق طارق لو اقتصر على سد الرمق، وكان الظاهر أن يحتاج إلى عودات إلى الاستيعاب، فهل يأخذ في أول الأمر أكلةً يستقل بها ويمضي، أم يقتصر على سد الرمق حتى ينتهي إلى مقدار أكلة مقلّة؟ هذا موضع التردد: يجوز أن يقال: يأخذ أكلة ويستقل، ولا يبني على توقع طارق على بعد، ويجوز أن يقال: يقتصر على سد الرمق، فعساه يتخلص، ثم إذا لم يبق إلا أكلة مقلة، فيجب القطع بأنه يتمادى فيها؛ فإنه لو قطعها، لفاته الاستقلال، فهذا منتهى البيان في ذلك.
ولست أدري على ماذا تحمل الأقوال المطلقة المحكية عن الأصحاب، ولا يجوز أن يكون الأمر على خلاف ما رتبناه، ونزّلناه، وما نصَّ الشافعي على قولين، ولا على أقوال مجموعة، ولكن نظر الناظرون في تردُّدٍ صادفوه في كلامه، فحسبوه ترديد قول، وإنما هو ترديد حال.