١١٦٤٨ - ثم إن الأصحاب ذكروا طرقاً في وجدان الرجل طعاماً مملوكاً للغير، فقال قائلون: نقطع بأنه يقتصر منه على سدّ الرمق؛ فإن الحق فيه للآدمي، والحق في تحريم الميتة لله تعالى، وحق الله على المساهلة. ومنهم من قلب الترتيب، وقال: يزيد على سد الرمق في الطعام المملوك للغير؛ فإنه مباح الجوهر، ولا يفوت حق الآدمي من المالية، ومنهم من أجرى الأقوال [كلها](١). وكل ذلك تخليط ما لم يُنَزَّل على الترتيب الذي ذكرنا، حتى إذا انتهى الترتيب إلى صورةٍ قدرنا فيها خلافاً، فيجوز أن يختلف الرأي في طعام الغير على حسب ما نقلناه.
فرع:
١١٦٤٩ - إذا وجد المضطر ميتة وطعامَ الغير، ففي المسألة ثلاثة أوجه: أحدها - أنه يتعاطى طعامَ الغير. والثاني - أنه يتعاطى الميتة، والوجهان مأخوذان من التردد الذي حكيناه للأصحاب في ترتيب المذهب، وهما مستندان إلى القول في اجتماع حق الله وحق الآدمي. والوجه الثالث - أنهما يستويان، والمضطر بالخيار فيهما، وهذا يخرج على مذهب للأصحاب في أنه إذا اجتمع دَيْنُ الله ودَيْنُ الآدمي، فهما مستويان لا يتقدم أحدهما على الثاني، وهذا يُخَرَّج على مذهب من أجرى الخلاف في طعام الغير على حسب إجرائه في الميتة.
١١٦٥٠ - ولو كان المضطر مُحْرِماً وقد استمكن من صيد، وبالحضرة ميتة، قال الأئمة: إن قلنا: المحرِم لو ذبح صيداً يكون ميتة، وفيه قولان مشهوران، فهاهنا حق عليه أن يجتزىء بالميتة، ولا يذبح الصيد؛ فإنه لو ذبحه، لكان ميتة، وهو يحتاج في التوصل إلى تحصيل هذه الميتة إلى ارتكاب محظور القتل.
وإن قلنا: الصيد لو ذبحه المحرم، فهو ذكية، وإن كانت محرّمة على المحرِم، فقد قال الأصحاب: الميتة والصيد على هذا القول بمثابة الميتة وطعام الغير، وهذا فيه نظر؛ فإنّ التردّد أي في طعام الغير من جهة تردد النظر في اجتماع حق الله تعالى وحق الآدمي، وهذا المعنى مفقود في هذه الصورة؛ فإن الحق في الصيد لله تعالى، ولو كان قَتَل المحرمُ قبل الضرورة صيداً، فاضطر ولحم الصَّيد عتيدٌ، وعنده ميتة،