للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثالث - أن موجِب الكفارة إن كان بحيث يجوز الإقدام عليه لحاجةٍ، فتقديم الكفارة عليه جائز، وهذا بمثابة حلق الرأس لأجل الأذى، أو لبس المخيط للضرورة الملجئة إليه في برد شديد أو مكاوحة (١) قمال (٢).

وكان شيخي يقول: المذهب المعتمد تجويز التكفير قبل الحِنث بالمال، وذكر الخلافَ فيه إذا كان الحِنث محظوراً، والمذهب القطع بمنع تقديم الكفارة في الإحرام والصوم إلا إذا كان موجِبُ الكفارة سائغاً، ففيه الخلاف، وكان يقول: إذا جوزنا تقديم الكفارة في الإحرام مثلاً عند جواز الإقدام على موجِب الكفارة، فلو كانت الكفارة على التخيير لا يترتب الصوم فيها على المال، فعند ذلك يظهر تخريج الخلاف في تقديم الصوم أيضاً وكأنَّ منع تقديم الصوم في كفارة اليمين معلل بعلتين: إحداهما- أنه بدني، والثانية - أنه مترتب، فإذا فقد أحد المعنيين، ظهر جريان الخلاف، فهذا ما أردنا أن نذكره.

١١٧٣٤ - ولو جرح رجل رجلاً، وكان المجروح لما به (٣)، أو لم يكن كذلك، ولكن اتفق سريان الجرح إلى زهوق الروح، فلو قدم الجارح الكفارةَ على زهوق الروح، فالذي قطع به الأصحاب تجويز ذلك؛ فإن الجرح سبب ظاهر، وقد نسميه


(١) كاوحه: قاتله (المعجم).
(٢) هـ ٤: قتال. وهو تصحيف واضح. وقِمال: جمع قملة مثل نملة ونمال، ولم أر هذا الجمع منصوصاً في المعاجم. والله أعلم بالصواب.
(٣) هكذا تماماً في النسخ الثلاث، وهي كلمة بمعنى " محتضراً " وإخالها: " وكان المجروحُ منزولاً به " فقد عبر بها إمام الحرمين عن معنى الاحتضار، فقد روى البخاري حديثاً عن نافع أن ابن عمر ترك الجمعة، وذهب إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل -وكان بدرياً- لما بلغه ما به من مرضٍ؛ فعدّ إمامُ الحرمين ذلك من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة قائلاً: لأن ابن عمر كان يطَّيب للجمعة، فتركها وذهب إلى سعيد بن زيد بن عمرو لما بلغه " أنه منزولٌ به، هذا، وقد مرّ هذا اللفظ (لما به) بهذا الرسم تماماً عدة مراتٍ من أول ربع الجراح، ودائماً كان يأتي في هذا السياق مؤدياً هذا المعنى.
فهل من المعقول أن يتصحف هذا اللفظ في هذه المواضع كلها، وفي أكثر من نسخة، ومن بينها نُسخ في غاية الصحة؟؟ أم أن للفظ بهذه الصورة قراءة صحيحة لم نلهم إياها؟ الله أعلم.